ذهب ترامب إلى هلسنكي وهو يقول إنه ليس لديه توقعات عالية بالنسبة للاجتماع مع بوتين، وقد أضاف أنه ربما سيتفق مع بوتين وربما لن يتفق. ولكن ما ظهر من المؤتمر الصحافي أن ترامب وبوتين متفقان. وبينما الكل في أمريكا يلوم روسيا على محاولة عرقلة سير العملية الديمقراطية، ألقى ترامب اللوم على أمريكا وقال إن الحماقات والغباء الأمريكي هما اللذان أديا إلى تعكير العلاقة بين روسيا وأمريكا. وترامب هو ما يشبه المفتون ببوتين، وفي حملته الانتخابية قام بمدح بوتين ووصفه بالقائد القوي.. ويتعجب الأمريكان كيف أن ترامب لم يقتنص الفرصة ليتهم روسيا بمحاولة التلاعب بالانتخابات، وفضل أن يلطف الأجواء وأن يعلن مع بوتين أن روسيا لم تحاول التلاعب بنتيجة الانتخابات، ونتيجة تلطيف الأجواء تمت مناقشة عدة مواضيع منها موضوع سوريا.

وهناك نقطتان مهمتان حين ناقش الطرفان موضوع سوريا، فقد أبدى الطرفان نيتهما العمل سوية لمساعدة إسرائيل، وأعلن بوتين قلقه من التغيير الديموغرافي. وبالرغم من أن المؤتمر لم يأتِ بشرح أو تفصيل لموقف أي من الدولتين حول سوريا، يجب التوقف عند هاتين الجملتين. فماذا يعني التعاون «لمساعدة» إسرائيل؟ هذا يعني إبعاد إيران عن الحدود مع إسرائيل. وهنا يظهر نوع من المنافسة الروسية الإيرانية، فقد أعلن بوتين حين زاره الأسد في سوتشي في شهر مايو الماضي أن كل الجيوش الأجنبية، وذكر الأمريكيين والإيرانيين وحزب الله، عليهم مغادرة سوريا. وقد نتج عن تلك التصريحات استنكار من الجانب الإيراني. ولكن إن تم التوافق بين أمريكا وروسيا على موضوع مساعدة إسرائيل فهذا يعني تحجيم النفوذ الإيراني، وسيعول الروس على الأسد طرد الإيرانيين من سوريا. وهنا الأمر الصعب، لأنه ليس بمقدور الأسد فك مساره عن المسار الإيراني، فالتحالف الإيراني السوري عميق ومعقد ويعود لأربعة عقود ويصعب حله، كما أن الأسد قد وافق على «أوتوستراد» يصل إيران بالعراق ويمر بسوريا ويصل إلى لبنان، وبذلك يضع هذا الطريق السريع إيران في جوار إسرائيل ويعطيها منفذاً على المتوسط.

هنا السؤال، هل سيضغط بوتين على الأسد لسحب الموافقة على الطريق السريع؟ كما أن تصريح بوتين بشأن التغيير الديموغرافي يضعه في خط المواجهة مع الإيرانيين الذين يسعون لتأمين «سوريا المفيدة». ويقوم الإيرانيون مع الأسد بتأمين «سوريا المفيدة» من خلال خفض نسبة السنة واستبدالها بشيعة من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان، وقد أصدر الأسد قانون استملاك رقم 10 من خلاله تستطيع الدولة الاستحواذ على عقارات اللاجئين إن لم يرجعوا ويثبتوا ملكيتهم للعقار، ومن المعروف أن معظم اللاجئين هم من السنة المعارضين ويصعب على هؤلاء الرجوع في الظروف الحالية لإثبات ملكيتهم. ولذلك السؤال اليوم، هل سيستطيع بوتين أن يلجم الإيرانيين في سوريا؟ واليوم أكثر من أي وقت مضى، تظهر إسرائيل دعمها للأسد الذي منذ 1974 لم يطلق رصاصة في الجولان المحتل في حال انتقل من الكنف الإيراني إلى الكنف الروسي. وهناك خياران كلاهما صعبان أولهما خلق شرخ بين الأسد والإيرانيين، والخيار الثاني هو تخلي روسيا عن الأسد. فيا ترى ماذا سيكون الخيار الذي ستتفق عليه أمريكا وروسيا وإسرائيل؟