انتشار سلوك اجتماعي عام وهو "الطنازة" أي الاستهزاء والسخرية من الناس، وتصغير وتحقير أي إنجاز بحريني قام به فرد أو مؤسسة حكومية أو خاصة، سلوك ساهم في انتشاره سهولة عملية النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وسرعتها، وامتلاك الجميع أدواتها، حتى أصبح هذا السلوك ظاهرة اجتماعية خطيرة، أن "ينفضح" كل من يبرز اسمه في أي مجال بأن يتعرض لموجة "استهزاء" وتشكيك بنزاهته وبمصداقيته دون أن يرف جفن من نشر الاستهزاء أو الاتهام ودون أن يتأكد من ساهم في النشر من صحة ما يعيد نشره.

أتدرون أين تكمن خطورة هذا السلوك؟ إنه يدفع الجميع "الصالح والطالح" على الانكفاء وعدم المشاركة وعدم التفكير بمحاولة التميز والإبداع، وهذه خسارة وطنية كبيرة ندفع ثمنها جميعنا دون استثناء، ثم نتساءل لماذا لا يبرز اسم البحرين ولا يبرز لنا أبطال أو نجوم أو مشاهير أو شخصيات عامة؟ لماذا ينافسنا ويسبقنا من كان خلفنا؟

في السابق كان التعويض الذي يلقاه الإنسان المتميز أو الإنجاز الذي تقوم به المؤسسة المتميزة إن تجاهلتها الحكومة أو الدولة، هو باحتفاء الناس به وبتقديرهم له، فكان المتميز يحظى بالتعاطف وبمشاركة المجتمع معه في العتب على الدولة لأنها تهمل هذه الشريحة ولا تحتفي بها كما تفعل باقي الدول، فيطمئن قلبه إلى أن هناك من يقدره، هناك من يفهم، فإن لم تكن الدولة فعلى الأقل الناس فاهمة، وهناك من يحتوي الإبداع.

أما اليوم فحتى هذا التعويض فقد وانتفى، بعد أن أصبح المجتمع طارداً للمبدعين والموهوبين أو حتى المتميزين والمجتهدين. حتى إنجازاتنا التي يحتفي بها العالم نسخر منها ونقلل من شأنها وكأننا لا نستحقها.

مع الأسف يتسيد بانتشاره وسرعة توزيعه خطاباً شعبياً للمجتمع البحريني يحطم الرموز ويكسر النماذج ويقتل الإبداع ويقلل ويستهين بالإنجاز، بل الأدهى أنه أصبح يحطم بعضه بعضاً، أي يلتف ليعود على ذات الأسماء التي سعت لتحطيم الآخرين بسعي الآخرين لتحطيمهم، باتت عبارة اللهم لا شماتة عبارة متداولة هذه الأيام لكثرة الطعن في الطاعنين، الطعن والاستهزاء والسخرية والتسرع في الأحكام والظلم أصبح لعبة روليت لا تعرف فيها متى يأتي عليك الدور، عبث فيها من لا ضمير ولا حس وطني له وبدأها بشراء ذمم تطعن في الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم أصيب بها هو، وقيل حينها اللهم لا شماتة، ومن ثم انتشرت بين الناس فأصبح الطعن والاستهزاء هو رد الفعل السائد، وتساوى المتميز مع الفاشل، تساوى الرمز مع النكرة، تساوى العادل مع الظالم، فغابت القدوة، وإذا أردت أن تؤخر مجتمعاً وتقضي عليه فاطعن في نماذجه وقدواته واستهزئ بهم، فلا يعود يرى نموذجاً يقتدي به ولا سراجاً يطمح للوصول له أو لتجاوزه.

لم يبقَ مجال إلا وانتشرت فيه هذه الظاهرة، رياضياً كان أو فنياً أو إبداعياً أو سياسياً أو أدبياً أو حكومياً أو تنموياً، كل نشاط إنساني بحريني تحول لميدان لقتل المبدعين وبأيدٍ بحرينية مع الأسف، ظنت أنها تملك عصا العدالة وحق تقييم الناس، ومن قتل وطعن بدم بادر سمعة غيره ترى سمعته تقتل ولو بعد حين ويعود السهم عليه مرتداً يتجرع سمه حتى لو ادعى غير ذلك، وكم من ضحية توارت واختفت واعتزلت العمل لأنها لم تتمكن من الصمود والاستمرار في هذا المستنقع الذي لوثناه بأيدينا.

المجتمعات التي تزدهر وترتقي وتمتلك رصيداً من الإنجازات تفاخر بها الأمم هي التي ترعى براعمها وتحتفي بهم، هي التي تعلي من رموزها وتقتدي بهم، هي التي تؤمن أن القمة بها متسع لجميع المجتهدين فلا حاجة لإزاحة أحد كي تجد لك مكاناً، مجتمعات تتنفس هواء نقياً يشيع الفرح بنجاح أبنائه لا مجتمعات تحطم وتدوس أبناءها كي يسود البؤس على الجميع، لماذا تحولنا لقتلة لإبداعاتنا؟