من مفارقات القدر أن محافظة البصرة التي تغذي العراق بأكثر من 95% من النفط هي الأكثر معاناة في الوقت الراهن، واليوم بعض المواطنين في البصرة من السنة والشيعة العرب يأكلون من صناديق القمامة، وعندما أنفجر البركان بقيام ثورة الجياع أدخل الروع إلى قلوب الطبقة الحاكمة وكانت ثورة الجياع التي امتدت إلى محافظات جنوبية أخرى مثل ذي قار وميسان والنجف وكربلاء والمثنى وإلى بغداد، ورجع رئيس الوزراء من زيارة له في الخارج لكي يصلح ما أفسده الدهر بإقالة الجهاز العامل في مطار النجف وتوفير 1000 وظيفة للشباب ولكن ماذا بعد؟ أين عائدات النفط التي تتوزع بين الحرس الثوري الإيراني الذي يستلم عشرين مليون دولار سنوياً من عائدات النفط العراقي، وقسم يذهب إلى الجيش الأمريكي الذي جاء بحكومة حزب الدعوة على ظهر دبابة، وجزء يذهب إلى حزب الدعوة وسكان البصرة يئنون تحت ضغوط المعيشة والفساد، فإيران تقطع الكهرباء ويشربون الماء المالح والبطالة منتشرة بين الشباب، في الوقت الذي تشغل فيه مصانع النفط شباب المحافظات الأخرى.

جاء كل ذلك بسبب أن القيادات التي جاء بها حزب الدعوة لحكم البلاد غير مؤهلة سواء نوري المالكي أو حيدر العبادي، حيث منذ 2003 عندما تمت العملية السياسية لم يكن هناك إلا ضجيج الأحزاب وتزوير في الانتخابات ووعود كاذبة سواء من الأحزاب الشيعية أو السنية أو الكردية وغيرها.

والدليل على أن هذه الانتفاضة جاءت نتيجة الظروف المعيشة المتردية أنه اشترك فيها الشيعة والسنة، وهذا دليل على أن الطائفية في العراق جيفة نتنة تحاول إيران إعادة الروح فيها ولم تفلح، فأحرقت صور الخميني وصور الحشد من قبل الجماهير في شارع الزهراء الذي غيرت السلطات العراقية اسمه قبل نحو عامين وأسمته "شارع الخميني" الأمر الذي حينها أثار موجة من الغضب الشعبي على اعتبار أن الخطوة مثلت انتهاكاً لسيادة العراق.

وبدل أن تعالج حكومة العبادي الأزمة من جذورها ذهبت إلى إلصاق التهم بالمندسين، هذه التهمة الجاهزة التي لا تحتاج إلى جهد وعناء، وهذا في حد ذاته دليل على الفشل والعجز والاستحواذ على مقدرات الشعب والدولة واستقلالها للمصالح الخاصة والفئوية والحزبية، ما تعانيه البصرة تعانيه كل محافظات العراق ما عدا المنطقة الخضراء.

ما كانت "داعش" لتسيطر على الموصل من قبل وعلى مناطق أخرى في العراق لولا سوء المعيشة، ولذا وجب على السلطة أن تصحو وتدرك أنه مادامت عوامل الفقر والبطالة وسوء ظروف المعيشة السيئة باقية، فإن الاضطرابات وعدم الاستقرار في العراق مستمر.

لتدرك إيران التي تطمع في العراق أنها لن تجد لها في العراق موطئ قدم مثلما وجدت لها في بلدان عربية أخرى، وذلك لأن في العراق أسوداً عربية تزأر في هذه الأرض التي انطلقت منها قادسية عمر بن الخطاب لكي تدك قصور كسرى، فلتحمل إيران عصاها وترحل عن العراق وإلا تكون قد وقعت في مستنقع لن تخرج منه .