ليس غريباً أن تستغل قطر أو إيران -أو أي دولة تعادينا- ليس غريباً أن تستغل هذا المناخ "الاتصالي والتواصلي" السيئ الموجود حالياً في البحرين وتجتهد بتوظيفه لصالحها، بالتأليب والتجييش وخلط الأوراق، فهذا هو المتوقع، أعداؤك يتربصون بك، إنما لماذا المناخ التواصلي والاتصالي في البحرين سيئ من أساسه؟ لماذا تركت لهم الساحة؟ فتلك حكاية أخرى.

أحد أسباب سوء المناخ سياسة البارشوتات، تلك القرارات والإجراءات التي تصدر من الحكومة وتنزل على الناس بالبارشوت دون تواصل مسبق أو في الأثناء أو لاحقاً، "رفع الدعم، وقف الزيادة، المساس بالامتيازات التقاعدية.. إلخ" يقرؤون عنها فجأة، الأدهى أن المفاجأة تنزل حتى على ممثلي الناس أي على السلطة التشريعية، فماذا تتوقع؟ طبيعي أن تكون ردة فعل الناس الطبيعية هي السخط والتذمر وارتفاع الصوت، تتوقعون أن يسكت الناس؟ وأنت ساكت تتفرج لا تفسر ولا تشرح ولا تبرر ولا تمهد، وكلما زاد التجاهل كلما ارتفع سقف السخط وتذمره كلما انفتحت ثغرة للتسلل الذبابي.

سبب آخر لارتفاع الصوت ولانتشار حالة السخط والتذمر، وهو الرغبة عند البعض في الترشح للانتخابات والتي دفعت بالعديد ممن تصدر حملات الضرب بالحكومة وبالناس وذلك باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لخلق "شعبية ونجومية"، واعتمد في الترويج لأنفسهم من خلال الطعن في الآخرين والتشكيك في نزاهتهم سواء كان الآخرون نواباً، أو مسؤولين في الدولة، أو كتّاباً... إلخ، واليوم نقرأ عن رغبتهم في الترشيح وغداً سنرى بقية القائمة فيزول العجب، هذا ومارثون الانتخابات لم يبدأ بعد!! فكانوا سبباً آخر من أسباب فساد البيئة الخطابية، وفتحوا ثغرة استغلها الذباب الإلكتروني فترى نفسه خلف كل طامع وحاقد وصاحب مصلحة أسماء وهمية تساعدهم وتؤيدهم وتزيد من شحنهم وتجييشهم بالبذاءة والاستهزاء.

سبب آخر كان الخلافات الأسرية التي انعكست على الساحة التواصلية، فهذا يضرب بذاك وذاك يطعن بهذا وانفتحت ثغرة واسعة تسلل منها قطيع من الذباب الإلكتروني خلط الأوراق بعضها ببعض وقسم الناس إلى فرق كل فريق يحسب على جناح، ونجح في تأجيج الخلاف لولا حكمة الكبار.

وسط هذا التلوث البيئي وسط هذا الخليط من الكذب والافتراء والحقيقة والصدق وسط شكوى الناس الحقيقية من ملفات تمسهم وتمس قوتهم ورزقهم دخلت علينا موجة مسجات الشكاوى التي تداخل فيها الصدق بالكذب، المدسوس بالحقيقي، وسط كل هذا هجرت الحكومة الساحة تماماً إلا ما ندر، وجودها في ساحات التخاطب عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الاجتماعية يأتي ثقيلاً بطيئاً نادراً أو يغيب كالزائر الذي يسلم من باب ويخرج من الباب الآخر بسرعة خوفاً من التلوث، فانفرد كل "آخر" في الساحة وهذا "الآخر" كان من كل الأصناف، ضاع فيها الصالح والسمين القليل مقابل كم من الغث الفاسد المليء بالسب والشتم ورمي الاتهامات والاستهزاء والبكائيات، ألا تتوقعون وسط هذا الفراغ المنطقي والامتلاء القميء أن توظفه أي دولة تريد بنا شراً؟ ألا تتوقعون أن يستغل هذا الفراغ ذباب إلكتروني أو غير إلكتروني يريد بنا شراً ويريد بنا ضرراً؟ ما الذي أعددت له؟ كيف ستواجهه؟ وتواجه أسئلة الناس واستفساراتهم؟ كيف تدير دفة الحوار وتحصره في أطره السليمة؟ كيف تبادر ولا تنتظر؟ وأنت بطيء مركزي القرار خائف متردد؟

الملفات التي تهم الناس وتشغل بال الناس ويتحدث بها الناس العاديون البسطاء، لن تنتهي وشكوى الناس منها لن تنتهي وهذا حقهم وهذا همهم وقوت يومهم ورزقهم، إن تركوا يتخاطبون وحدهم دون أن يدار الحوار ويدار الاختلاف فإنها الفوضى، وسيدخل علينا ألف جيش إلكتروني وألف قطيع من الذباب من منافذ وثغرات الصمت وفراغه، فهل تترك الساحة لهم ثم تشتكي منهم؟ قبل أن "تكش" الذباب أصلح نافذتك المكسورة أولاً.