لكل امرئ حكاية ستنتهي طال الزمان أو قصر.. هذا ما يؤلم المرء عندما يزور في ميدان الحياة تلك الأماكن الأثيرة على قلبه، أو يتذكر تلك المساحات الجميلة التي اعتاد كل يوم أن يطل عليها وبخاصة في بيوت الرحمن التي تجمع القلوب ويعتاد المرء أن يشاهد أحبابه ومحبيه خمس مرات في اليوم.. عندما تجول مثل هذه الخواطر في ذهنك وترن في مسمعك فإنك تظل في موقف المتأمل في حالك ومآلك.. هذه الزاوية كان فيها بومحمد وبوجاسم وبوخليفة يجتمعون قبل كل صلاة.. وبعد كل صلاة يودعون بعضهم البعض بابتسامات مشرقة.. أين هم الآن.. وأين غيرهم.. تبدل الحال وحل جيل غير ذلك الجيل، ومشاهد تبدلت عن تلك التي اعتدنا أن نراها.. يسلم عليك أحدهم ويربت على كتفك ويمازحك.. وفي اليوم التالي.. تنتهي حكايته كلمح البصر.. أين هو.. قضى نحبه.. وانتقل إلى دار نسأل الله تعالى أن يجعلها داراً خيراً من داره.. هي حكاية عجيبة نعرفها ولكن نتغافل عنها أحياناً.. ولربما من أجل أن نعيش في زمان نلتقط فيه أنفاس الخير، بحثاً عن الأجور الخالدة التي ترفع منازلنا في الجنان.. اللهم اجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم يا رب العالمين، واجعل حكايتنا أجمل حكايات الخير تتحدث عنها الأجيال بصالح الأقوال والأفعال، ويكون أثرها البائن صدقة جارية وعلماً ينتفع به وولداً صالحاً وأبناء بررة وأصدقاء ومعارف يدعون لك بدعوات صالحة تخفف عنك الحساب.. اللهم اجعلنا منهم يا رب.

* ينقص بعضنا الحكمة في القول وفي التصرفات الحياتية.. نتصرف أحياناً تصرفات عشوائية ونتخذ قرارات عابثة تعبث بالعلاقات الحميمة التي تجمع الناس.. نتناسى جوانب الخير والإيجابيات والإنجازات والأثر الذي يحدثه الأفراد في مجتمعاتهم.. ونلتفت إلى تلك الصغائر التي لا أثر لها في مسير الحياة.. "يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب" (البقرة: 269).

* تصل أحياناً إلى مرحلة تمل فيها من تكرار اللوم والعتب والشكوى.. لأنها تذهب بريق المحبة التي تجمع القلوب، وبخاصة في ظل حياة وتيرة أعبائها تتصاعد بصورة خيالية، فلا مجال معها أن تعيش حياة يشوبها القلق والتصادمات ورسمية العلاقات.. نحتاج إلى حب يتأصل في النفوس، وإلى حضن دافئ يزيل تعب الحياة، وإلى روح حلوة ونفس بسيطة تعشق أن تعيش معها بلا مقدمات أو دبلوماسية منمقة!! نحب "الحب" لأنه بلسم العيش بسلام من أجل الوصول إلى رضا الملك الديان.

* كم نحن في مسيس الحاجة إلى صياغة منهج حياتي متكامل، نصوغ فصوله على أثر القيم الجميلة التي يتعلمها الأبناء والأحفاد من آبائهم وأجدادهم.. كما كتب أحفاد الأديب الشيخ "علي الطنطاوي" كتاباً يحكي القيم الجميلة التي تعلموها من والدهم رحمه الله.. فهي القيم التي نحتاج أن نرسخها في أجيال اليوم التي لم تتعلم بعد معاني الحياة الجميلة، ولم يشتد عودها في مجالس الخير والأدب والحكمة، أو ما نسميه "السنع".. أحضر الشيخ الطنطاوي رحمه الله يوماً ما كعكة كبيرة لأحفاده، وقام بتقطيعها بنفسه إلى قطع صغيرة غير متساوية، ثم قام بتوزيعها على أحفاده وكان يتأمل كل حفيد كيف يختار القطعة.. في النهاية الحكمة التي زرعها.. ألا تتهافت نفوسكم يا أبنائي إلى اختيار القطع الكبيرة حتى لا تنقص القطع عن غيركم فلا يكون لهم نصيب فيها، والأهم أن تتركوا القطع الكبيرة لغيركم وبخاصة ضيوف المنزل أو الكبار.. هي دروس حياتية وقيم نحتاجها في كل مجلس.. أبناء اليوم باتوا يعيشون في زمان غير ذلك الزمان الجميل.. وباتت التربية تبحث عن المكان الفسيح المؤثر لها حتى تنشر القيم الجميلة في حياة الأجيال.

* جميل جداً ألا ننشر روح التشاؤم والسلبية المقيتة والتذمر من شؤون العمل والحياة في المحيط الذي نعيشه.. حتى إن لم نكن إحدى خطوات النجاح في أحلام الآخرين.. فإنه من الجميل أن نكون اليد الحانية التي تشجع وتلطف الأجواء.. "عفية عليك خوش شغل.. يا ليتني كنت معاك".

* لا يرضى عليك ذلك القلب الذي أحبك وعاش معك قصة العشق التي جمعتكما في مسير الحياة.. لا يرضى أن يشاهدك منزعجاً أو قلقاً أو متوتراً أو حزيناً في دوامة العيش.. ولا يحب أن يرى عبوس وجهك الذي اعتاد أن يراه مبتسماً فرحاً.. يحبك لأنك تحمل تلك الطيبة التي ترجع لها سريعاً كلما ارتفع معدل القلق أو الانزعاج في نفسك.. يحبك لأنك الصورة التي يرى فيها جمال الحياة وقصة الأمل.. يحبك لأنه يعشق أن يعيش بين سطور رسائل الحب التي تكتبها كل يوم.. فتنبض في قلبه نبضات السعادة التي يراها في تقاسيم وجهك المشرقة.

* من القلوب الجميلة البسيطة هي تلك التي لم تعايش أطيافها في أيام مضت من حياتك.. بل عرفتها منذ فترة وجيزة، ولم تسنح الفرصة أن تعاشرها في أوقات كثيرة.. أسميتها جميلة لأنها أحبتك أكثر من تلك التي عاشرتها لسنوات مضت.. فأضحت تبادلك كلمات المحبة، والتزاور والسؤال.. فهنيئاً لك.

* تعلمت في طريق الحياة أن "الأصيل" يبقى أصيلاً مهما تغيرت أحوال الحياة، لأن هدفه أولاً وأخيراً إرضاء ربه وإسعاد قلبه وأهله والبشرية جمعاء.. الأصالة التي لا تجعلك تحيد عن طريق الخير، بل تلزمك أن تقدم لمسات المحبة والعطاء حتى الرمق الأخير من حياتك.. تحتاج فقط معها أن تغض الطرف عن بعض العراقيل المتعبة.. ثم تستمر في خطواتك نحو الخير.

* أسعد نفسك بإنجازات الحياة وإنجازات اللحظات في كل يوم أكرمك المولى بالعيش فيه من جديد.. اسأل نفسك قبل أن تنام ماذا قدمت في يومك من عطاء.. وهل مضت الأوقات بلا فائدة.. ذلك العطاء الذي تحتفل من خلاله مع نفسك وتصفق لها كثيراً.. "عفيه علي.. اليوم سويت وايد أشياء حلوة ربي يتقبلها ويكتب لي أجرها".

ومضة أمل:

اللهم احفظنا واحفظ لنا لنا كل من نحب، ووفق كل سائر في طريق الخير لتحقيق غاياته.