تمر هذه الأيام ذكرى ثورة مصر في 23 يوليو 1952، وفي البداية كان يطلق عليها حركة الجيش، ثم تحول المصطلح لثورة عندما بدأت القيادة تطلق مشروعات تغيير جذري في المجتمع. أولها كان الإصلاح الزراعي الذي وضع حداً لما يملكه الإقطاعيون آنذاك، وكان هذا الإصلاح هو أحد المبادئ الستة لحركة الجيش. ثم جاء التحرك الثاني بالتحول من ملكية لجمهورية.

والتحرك الثالث بجلاء الإنجليز عن مصر بموجب اتفاقية الجلاء التي وقعتها قيادة الثورة عام 1954 بعد مفاوضات ناجحة مع سلطات الاحتلال لتستكمل تنفيذها في يونيو 1956، وهو ما عجر النظام السابق عن تحقيقه.

والتغير الرابع الوقوف مع السودان لتحقيق استقلاله في نوفمبر 1956، ولا شك أن مصر والسودان يعتبران تاريخياً وثقافياً وحضارياً شعباً واحداً يربط بينهما نهر النيل الخالد والحضارة الفرعونية العريقة، وهذا الارتباط جعل الشعبين وثيقي الصلة وشديدي التشابه الحضاري مع الإقرار بوجود بعض الاختلاف حتى داخل الدولة الواحدة، أي الاختلاف الإقليمي والمناطقي، ويقول الفكر السياسي أن التنوع هو أساس الحياة، بل إن القرآن الكريم أكد مبدأ التنوع والتعدد في قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، وقوله تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة».

فالتنوع والتعدد والاختلاف هو أحد نواميس الخلق لإثراء الوجود الإنساني بمجالاته المتنوعة كما أراده الله سبحانه وتعالى.

والمشروع الخامس تقوية الجيش، وعندما رفض الغرب تسليح الجيش المصري اتجهت مصر للشرق، وكان للصين دور مهم عندما التقى الرئيس جمال عبدالناصر مع رئيس الوزراء الصيني شوان لاي في مؤتمر باندونج الأفروآسيوي في أبريل 1954، حيث بدأ التقارب الفكري بين الزعيمين ولعب شوان لاي دوره في تقديم عبدالناصر لقيادة الاتحاد السوفيتي، ومن هنا جاءت صفقة الأسلحة التشيكية. والتحرك السادس كان بالاتجاه لرأس المال الذي كان يستغل أبناء الشعب بوسائل متعددة.

ومن ثم جاءت حركة التأميم للشركات الكبرى وخاصة التي يملكها أجانب وتم تعويض أصحابها وأطلق على التحرك بأنه تمصير الاقتصاد، وفي هذا الإطار جاء تأميم شركة قناة السويس لتتحول من شركة بريطانية لشركة مصرية، أي إرجاع الأمر لأصحابه. السابع إقامة حياة ديمقراطية، وهذه العملية واجهت تحديات نتيجة العدوان الثلاثي وصعوبات واجهت الجمهورية العربية المتحدة عندما اتحدت مصر وسوريا ثم حرب 1967، وغيرها من المشاكل والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حيث تتواجد مصر في موقع استراتيجي بالغ الحساسية. ومع هذا قامت مصر بمحاولات عديدة لإقامة ديمقراطية بدرجة أو بأخرى وفقاً للظروف والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية.

واليوم ومصر تحتفل بالذكرى السادسة والستين لثورة 23 يوليو 1952 فإنها تخطو خطوات حثيثة على طريق الديمقراطية، ولكن ينبغي أن ندرك أنه لا توجد ديمقراطية كاملة مائة بالمائة في أية دولة، فالممارسة هي أساس التطور السياسي كما حدث في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، كما أن ثمة فارقاً جوهرياً بين الديمقراطية كنظرية والنظام الديمقراطي وتطبيقه كممارسة تختلف من دولة لأخرى، فلكل دولة شكل من النظام، ففي أمريكا رئاسي وفي بريطانيا برلماني وفي سويسرا حكومة الجمعية، وهكذا، بل إنه في كل نظام رئاسي أو برلماني نجد اختلافات، وكما أشرت فإن الاختلاف هو سر الوجود الإنساني وهو ناموس الكون كما خلقه الله سبحانه وتعالى.

ومن البحرين أرض حضارة دلمون والعروبة والإسلام نحيي من قلوبنا كعرب وكمصريين شعب مصر وجيشها الباسل وشرطتها الأمينة وقضاءها العادل ومواطنيها أقباطاً ومسلمين من البابا تواضروس وشيخ الأزهر د.أحمد الطيب ومثقفيها وقادة جيشها من نارمر وأحمس ورمسيس بناة مصر الفرعونية القوية إلى محمد علي وأحمد عرابي وجمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسي في العصر الحديث، ونشيد بعلمائها ومثقفيها قادة التنوير والتحديث من رفاعة رافع الطهطاوي إلى مصطفى كامل ومحمد عبده وعلي مبارك وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين وسعد زغلول وطلعت حرب ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وطه حسين وعلي عبدالرازق وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وغيرهم كثيرون هم ذخيرة القوة الناعمة المصرية عبر العصور وأمنحتب وحور محب والمرأة المصرية مثل حتشبسوت وشجرة الدر وبنت الشاطئ وأم كلثوم وليلى مراد وغيرهن.

نقول تحية لمصر بهويتها المتعددة والشاملة فهي فرعونية وقبطية وإسلامية ثم حديثة، ونقول للإخوة القادة العرب والشعوب العربية شكراً على وقفتكم مع مصر في أزماتها، ومصر وشعبها سيظلون يذكرونكم بكل خير ويقفون معكم في مواجهة الأعداء والتحديات كشأنها دائماً.