اليوم وبعدما سيطر النظام على الجنوب تبقى عين دمشق مسلطة على إدلب، فخلال كل المعارك قام النظام والروس بنقل المعارضة المسلحة إلى إدلب. واليوم بينما تتحضر قوات النظام على الانقضاض على إدلب وأظهر الأكراد نيتهم القتال إلى جانب النظام، تأتي أنقرة في الواجهة وتعلن نيتها الدفاع عن إدلب من أي هجوم محتمل. وبالمقابل تعرض أنقرة حلاً يقتضي بأن يسلم المقاتلون أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة إلى تركيا وإلى تشكيل جيش وطني من الجماعات المسلحة، وتشكل إدلب اختبار متانة العلاقة التركية الروسية، فهل ستقبل روسيا أن تكون إدلب خاضعة للسلطة التركية وألا تكون تحت سلطة النظام؟

وتعتبر إدلب المعقل الأخير للمعارضة السورية بعد أن تم نقل كل الفصائل المسلحة إليها، والآن تتجه أنظار روسيا والنظام إلى إدلب بعدما أصبح الجنوب السوري تحت سيطرة النظام بعد ست سنوات من سيطرة المعارضة. ويقطن في إدلب أربعة ملايين شخص ومصيرها أكثر تعقيداً من مصير الجنوب أو حلب أو غيرها، فنصف سكان إدلب هم من الذين هجروا من مناطق أخرى، وإن كان هناك معركة ستكون أكثر شراسة من سابقاتها ويتم الكلام عن إمكانية استعمال النظام لأسلحة كيماوية.

ويرى المحللون أن المفاوضات التركية الروسية تسعى لتجنب أية عملية عسكرية في إدلب لأنها ستكون مكلفة جداً إنسانياً، السؤال الذي يطرح نفسه هل إدلب تمثل المعركة الأخيرة في الحرب السورية، وهل سنرى بعدها توافقاً دولياً يؤدي إلى اتفاق سياسي وتبدا من بعده إعادة الإعمار ويرجع النازحون لمناطقهم؟ "نظرياً" نعم إن انتهت الحرب، ولكن "عملياً" الجواب هو لا، لأن للأسف الشديد الأسباب التي أدت إلى الحرب مازالت موجودة. وقد تنبأ الدبلوماسي الهولندي نيكولاوس فان دام في كتابه "تدمير وطن" إن لم يقم النظام بتغييرات جذرية فستبقى أسباب عدم الرضا عند الناس وتنبئ بوقوع ثورة ثانية بعد هذه الثورة، والسبب الأساسي هو أن حاجز الخوف قد كسر ولذلك لا يمكن حكم سوريا بشكل سلطوي بحيث يتركز الحكم في يد أقلية.

على النظام أن يوسع قاعدة تمثيله الشعبية وأن يأتي بإصلاحات جذرية. ولمن يراقب الداخل السوري يرى أن هذا الأمر بعيد المنال، فالشعارات في دمشق لحزب البعث من موالين له تظهر أن الأسد وحزب البعث يعتزمون البقاء للأبد. وهنا السؤال هل إدلب تمثل المعركة الأخيرة للنظام، وبعدها سيتم اعتماد حل يرضي جميع الأطراف ويرسي قواعد لسلام دائم ولمصالحة وطنية شاملة، أم سنرى نفس المشهد الدموي مجدداً والمزيد من الاضطرابات لعدد من الأعوام المقبلة وربما نرى تقسيماً لسوريا؟