التهديدات شديدة اللهجة والحرب الكلامية المتبادلة بين واشنطن وطهران والتي ارتفعت وتيرتها منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة تفعيلها للعقوبات الاقتصادية على طهران، وصلت تلك التهديدات في الوقت الراهن إلى أوجها، بعد انتقاد شديد وتهديد وعيد وجهه الرئيس الإيراني حسن روحاني لأمريكا وتدخلاتها في المنطقة ، وقوله على الحرب - إن وقعت - بين بلاده والأمريكان بـ"أم الحروب"، وهو ما رفضه الرئيس الأمريكي ترامب وهدد هو الآخر عبر "تويتر" بأن إيران ستواجه عواقب لم يختبرها سوى قلة عبر التاريخ، وأن بلاده لن تقبل كلمات إيران التي وصفها بالمختلة عن العنف والموت.

لا يمكن التسليم بأن نهاية هذا التراشق الإعلامي بين واشنطن وطهران هي الحرب، حتى وإن خرجت لنا تقارير إعلامية تكشف عن استعداد أمريكي لضرب المنشآت النووية الإيرانية، مثل تقرير هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية الأمريكية "أيه بي سي" التي حددت بداية شهر أغسطس موعداً لتوجيه تلك الضربة الأمريكية لإيران وذلك نقلاً عن مسؤولين أستراليين، وهو ما نفاه رئيس الوزراء الأسترالي ثم وزير الخارجية الأمريكي الذي اعتبر تلك المعلومات "نسيج من الخيال".

وبغض النظر عن مدى صحة تنفيذ التهديدات لكلا الطرفين الأمريكي والإيراني من عدمها، إلا أنني أعتقد أن سيناريو حرب الخليج الثانية "حرب الكويت" قد يتكرر - مع اختلاف الظروف والأسباب طبعاً- إن استمر الوضع متأزماً، فإيران تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة خاصة التواجد الإسرائيلي ولو أني أميل إلى أنها لن تجرؤ على المساس بشعره من هذا الكيان المحتل، إلا أنها في الظاهر دائماً تحشر إسرائيل ضمن تهديداتها لأمريكا، وهو ما فعله العراق أيضاً على عهد رئيسه الراحل صدام حسين الذي نفذ تهديده على ارض الواقع، فضرب إسرائيل بالصواريخ وكذلك فعل مع دول الخليج العربي بعد غزوه للكويت، ومن التشابه بين الطرفين الإيراني حاليا والعراقي سابقاً، اسم المعركة، فالعراق اطلق على حرب الخليج الثانية "أم المعارك"، والرئيس الإيراني يصف حرب بلاده مع أمريكا إن وقعت بـ" أم الحروب".

ومن الشبه أيضاً، دخول قوات عربية خلال حرب الخليج في تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت ولجم العراق الذي كان يهدد الأمن والسلم الدوليين آنذاك، ويتكرر هذا التحالف حالياً، حيث توجد بوادر قوية لتشكيل قوات للتحالف تضم أيضاً دول عربية بقيادة الولايات المتحدة، وهو تحالف أمني عربي / أمريكي ضد إيران يحد من تدخلاتها في المنطقة، وأطلق عليه مسمى "ناتو الشرق الأوسط" وهي النسخة العربية لقوات شمال الأطلسي، وقد طرحت فكرة تشكيلها منذ زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية قبل نحو تسعة شهور، وتتسارع الأنباء هذه الأيام إلى تنفيذ هذه الفكرة، بل إن الرئيس الأمريكي يرغب في عقد اجتماع بشأن هذا الناتو خلال أكتوبر المقبل، ومن أبرز أهدافه تعزيز التعاون مع تلك البلدان بخصوص الدفاع الصاروخي، والتدريب العسكري، ومكافحة الإرهاب، وقضايا أخرى مثل: دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية، وذلك حسبما نقلته وكالة "رويترز".

إن الظروف الحالية تجعل من سيناريو حرب الخليج الثانية قد يتكرر هذه الأيام، ولكن هذه المرة ضد إيران وليس العراق، وربما يكون كل ذلك كما وصفناه بمجرد حرب كلامية وتراشق إعلامي قد لا يقود إلى تحقيق أو تغيير شيء بشأن النظام الإيراني، ولكن إذا أردنا أن نحلل الأمر من باب "المصالح" فإن الولايات المتحدة ترى في نظام إيران مهدداً لمصالحها في المنطقة، ويحق لها بالتالي أن تدافع عن مصالحها، وفي المقابل فإن دول المنطقة وتحديداً الخليج العربي ترى في النظام الإيراني مهدداً لأمنها واستقرارها وعانت من هذا النظام على مدى أربعين عاماً في تدخله بشؤونها الداخلية، وبالتالي من حق هذه الدول أيضاً الدفاع عن أمنها واستقرارها ضد هذا النظام الذي يرغب في نزع السلام والأمان من المنطقة ويبسط نفوذه فيها.