طلب مني أحد المواطنين البحرينيين أن أستمع لقضيته باعتبارها قضية عامة وليست قضية خاصة وتهم الرأي العام وفيها إثباتات حسب قوله عن فساد في قطاع هام، كي أكتب عنها في المقال اليومي، وقبل أن يقص حكايته قلت له على رأي إخواننا الكويتيين "شخباري؟" أكيد أنك من زمن الطيبين؟ أي القدماء الذين تغير الحال عليهم وهم عن التغيير غافلون.

سألني: كيف؟

قلت له ذاك زمان مضى حين كان المواطن يبحث له عن كاتب في الصحافة ليعرض عليه قضيته ويطلب منه أن يكتب عنها ليصل صوته إلى المسؤولين، اليوم أصبح الحال كما قال سعد الفرج في مسرحية "حامي الديار" "تلفونك في يدك، فاتح كاميرتك، مسجل رسالتك، وقايل ما في خاطرك، و"برود كاست" واحد على "الواتس اب" و"بوست" أي صورة على "الإنستغرام" وإذا حبيت أضف لها تغريدة على "تويتر" وخلال ساعه بالكثير تكون رسالتك وصلت، وصوتك وصل، والبحرين كلها بلغها العلم إن لم يكن قد بلغ دول الخليج والعالم العربي أيضاً، ولا تحتاج لا لصحافة ولا تحتاج لمن يكتب نيابة عنك.

فوجئت بسؤاله: وإذا قبضوا علي؟

سألته: ولم يقبض عليك؟ هل ما ستقوله فيه مخالفة للقانون؟ هل ستفتري على أحد؟ هل ستتهم أحد دون إثبات؟ هل ستشتم وتقذف أحد؟

أجاب: لا أدري إن كان ما لدي من معلومات صحيح مائة في المائة أم لا؟

قلت له: وهل تريد من غيرك أن يتبنى قضيتك التي لا تعرف أنت إن كانت مستنداتك قانونية فيها أم لا؟

أجاب: أنتم الصحافيون عندكم حصانة، وأنا مواطن عادي على باب الله.

قلت له: لا حصانة لمن يتجاوز القانون، صحافي كان أو غير صحافي، حرية التعبير مكفولة للجميع ولكنها كغيرها من الحقوق لها ضوابطها القانونية الملزمة للجميع، فإن التزمت بها وإن كنت تملك الإثباتات -كما تدعي- فانتبذ لك في بيتك مكاناً قصياً وسجل رسالتك وانشرها، وسيصل صوتك للجميع.

باختصار لم تعد هناك عوائق للنشر ولا حواجز ولا رقابة على ما تنشر سوى وعيك القانوني فحسب وضميرك، والأولى يحاسبك عليها القانون، أما الثانية فيحاسبك عليها رب العباد.

الأولى تحتاج قليلاً من القراءة والتثقيف العام بقوانين الدولة وضوابط النشر وبإمكانك حماية نفسك بالتزامك بتلك الضوابط، أما الثانية فضوابطك ضميرك وأسلوبك في التعبير هو ما رباك عليه والداك، وتقواك هي التي تحدد لك ما تخشاه من رب العباد، وتذكر أنه سبحانه لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ولك الخيار بعد ذلك فيما تنشر.

أعزائي المواطنين نحن في زمن "بتلفونك تقدر" أن تصل بصوتك وبرسالتك إلى الملايين من البشر، وسواء كانت قضيتك خاصة أو أردت أن تدلي بدلوك في قضية عامة فأهلاً بكم في عالم النشر العام، لا عالم الصحافة ولا عالم الإعلام بل هو عالم "النشر العام" الذي أتاحت فيه التقنيات الحديثة المتوفرة للجميع -حتى للأطفال-الفرصة أن يقولوا ما يودون قوله للعالم الخارجي، زمن أتاح فيه الهاتف المجال لأي إنسان في أي مكان وزمان أن ينشر ما يشاء وقتما يشاء وكيفما يشاء، ويتحمل وحده تبعات ما ينشر ومسؤولياته، فلا أحد يطالب الكتاب اليوم بأن يكتبوا عن كذا أو كذا أو كذا، دونك تلفونك وقل ما تشاء.

هل هذا تشجيع على الفوضى؟ لا أبداً هو إقرار بواقع لم يعد لنا خيار فيه، فإن كان هناك من يرى الواقع الحاصل الآن في عالم النشر عبارة عن "فوضى" فما ذلك إلا انعكاس لواقعنا.