لربما فترت قليلاً تفاعلات الناس مع موضوع ”مدينة عيسى وشجار الموز واللوز والكنار“ عما كانت عليه الأسبوع الماضي. لكن الحالة بحد ذاتها تستحق العودة لها للتمعن.

لدينا مترشح للمجلس البلدي عبر بصراحة وعفوية عن طموحاته وما يجول بخاطره، والعقل يقول بأن ما تفضل به ليس إثماً ولا جرماً، بل أمنية يمكن تحقيقها لو تهيأت لها الظروف، وهي من صميم عمل العضو البلدي.

لدينا أفراد في المجتمع، تعاملوا مع الأمر بطرق مختلفة، منهم من بحث عن الواقعية في الطرح، وانقسموا ما بين مستصعب للعملية وساق أسباباً لذلك، وما بين مؤيد لها، في مقابل من تعاطى مع الأمر بسخرية وتهكم، بذريعة أن مشاكلنا أكبر وطموحاتنا أبعد من تشجير ”المدينة“ أو البحرين بأشجار الموز واللوز والكنار.

اليوم أعجبتني بعض ردود الفعل لأفراد تراجعوا في أسلوب الطرح الذي مارسوه، هناك من اعتذر عن أسلوب السخرية والتهكم، وهناك من صحح مسار حديثه، ناصحاً الناس، بأن من يحول البشر الآخرين لـ“مادة للتنكيت“ عليه أن يكون أفضل منهم أولاً، وثانياً عليه أن يثبت قدرته على تقديم الأفضل ويقدم على ما أقدموا عليه، وفي هذه الحالة إعلان نية الترشح.

الإيجابي أيضاً بأن الأخ الذي أعلن ترشحه لانتخابات المجلس البلدي لم يتأثر موقفه من السيل الجارف من التعليقات والانتقادات، بل زاد من عزمه، وهو رد فعل ذكي منه، خاصة مع ”الدعاية المجانية“ التي قدمت له، وتردد اسمه على عموم البحرين، مع وجود آراء أيضاً مجتمعية ولأصحاب الرأي في الصحافة تدافع عنه، وعن ”حقه“ في التعبير ”البسيط“ و“غير المتكلف“ أو ”المصطنع“ عن خططه لو نجح في الوصول لمبتغاه.

هل نحن مجتمع ”جارح“ و“متهكم“؟! للأسف أقولها بأننا ”نعم“، ولست أعمم، لكن المشكلة هنا بأن النمط الغالب بات يتركز في ممارسي أسلوب التعليق ”المتهكم“، وفي رد الفعل ”المستهزئ“ بالآخر، وفي غياب الكلام باحترام ووضع اعتبار للآخر.

يا أخي ما المشكلة لو تعاملنا مع الجميع بأسلوب محترم؟! هل هي مصيبة لو كنت ”محترماً“ في تعليقك وحديثك وحتى اختلافك مع الآخرين؟! لماذا الاستخفاف بطرح الآخر، حتى لو كان أقل منك مستوى تعليمياً واجتماعياً بمراحل؟!

لنا في رسولنا الكريم قدوة حسنة، فمع مكانته كرسول تمر عليه مواقف مع بشر بسطاء يتحدثون معه بجفاء وغلظة، وبعضهم قدرته العقلية بسيطة جداً لا ترتقي لقدرات نبي يوحى إليه، فكيف كان بالتالي يعاملهم؟! هل كان يعاملهم باستعلاء أو يرد عليهم بسخرية واستخفاف وتهكم؟! هل كان يستصغر ما يقولون ويرى فيما يطرحونه رأياً غبياً أو ساذجاً؟! أبداً رسولنا الكريم كان سيداً للأخلاق، أعلى قمة من قمم التواضع، كانت طيباً سمحاً يراعي شعور الآخرين، هو من أرسله الله ليتمم مكارم الأخلاق.

بالتالي من يرى أن ”الفهلوة“ وأن ”التفوق“ يتمثل بالسخرية من الآخرين، والضحك عليهم، واستصغار أفكارهم، أو ممارسة التحلطم بشأن أي فكرة يطرحونها، هي مسائل تمنحه ”النجومية“ في المجتمع، فهو مخطئ تماماً حتى لو صفق له الملايين.

تسعى الدول المتقدمة والمتحضرة اليوم للارتقاء بأفرادها وتنمية الوعي لديهم، وتستخدم أساليب متطورة لأجل تعزيز الإيجابية في المجتمع، لأن سقوط المجتمع يبدأ بسقوط الأخلاقيات فيه، بانتهاء أساليب التعامل المحترمة والرصينة بين أفراده. لذا كان أساس الانتقادات بأنها مبنية على الاحترام للآخر وبالبعد عن القدح والذم وتصغير ذوات الناس.

نصيحتي لنفسي قبل أن تكون لكم، اجعل الاحترام أساسا لأي ردود فعل، لا تحقر من أفكار الآخرين، وتذكر بأن الناس ليسوا سواسية في معيشتهم ولا تعليمهم ولا أفكارهم، فإن حباك الله بنقاط تفوق على الآخرين، تواضع وكن محترماً في تعاملك معهم.