في أي عملية تقوم بها في حياتك، لا بد وأن تمر بالخطوات الثابتة لتحقيق الأهداف، وأعني بها مراحل التخطيط والتنظيم والتنفيذ والتقويم، ولا بد وأن تلتزم بها بشكل صارم، لأن الالتزام بها يضمن لك تحقيق الهدف.

السؤال الآن، بالنظر لكثير من الأهداف التي نرسمها في حياتنا ولا تتحقق، هل نحن شعب يهتم بالتخطيط؟!

من واقع خبرة ومعايشة في عديد من قطاعات الدولة، اكتشفت بما لا يدع مجالات للشك، بأننا لا نعي حجم وأهمية وصف "تخطيط"، وأن التعامل معها يكون بأبسط الأساليب والمستويات، وقد نختصرها في جلسة "عصف ذهني" و"توارد أفكار وخواطر"، ثم نظن بأننا هكذا "خططنا"، لنضع بعدها إشارة على اجتياز المرحلة الأولى من تحقيق الهدف.

هذا طبعاً لو كنا نتحدث عن قطاع يسعى لإشراك المعنيين فيه في عمليات رسم السياسات ووضع الأهداف والتفكير في تحقيقها، لأنه من واقع خبرة أيضاً، هناك قطاعات "ابتليت" بعقليات إدارية "تقمع" الآراء، و"تختزل" كل العمليات فيها، بالتالي رأس الهرم هو "المخطط" الأوحد، وهنا نسبة توقع الكوارث أكبر، خاصة لو كنا نتحدث عن أهداف تحتاج لتخصص وخبرات.

التخطيط هي المرحلة الأهم، والتي تأخذ حيزاً أكبر من الوقت، ولو نجحت فيها فإنك كمن يضع أساساً قوياً ويضربه في الأرض، فيمتلك بالتالي بنية قوية يمكن أن يبني عليها ما يشاء، حتى لو أراد بناء ناطحة سحاب -والحديث مجازي هنا- فإنه سيستطيع، لكن لو كان الأساس "هشاً" فإن الانهيار نتيجة حتمية حتى لو كان البناء معنياً بإقامة كوخ من طابق واحد.

تفشل كثير من السياسات، وتتوه خرائط عمل كثير من القطاعات، ولا تتحقق الأهداف قصيرة المدى وتتحول لبعيدة المدى ولربما "أبدية المدى" ولا تتحقق، حينما يكون التخطيط غائباً، وحينما يحل محله "الارتجال".

أعترف بأنني كنت شخصياً ممن يرفضون عمليات التعاقد مع شركات متخصصة في التخطيط الاستراتيجي، وأعتبر ذلك "ترفاً" لا لزم له، وسببي بأنني أفترض وجود الكفاءات والقدرات في القطاع المعني، تكون قادرة على عمليات التخطيط ورسم السياسات، وتصحيح مسارات العمل.

لكن هذه النظرة كانت قاصرة، لأنه اتضح لي القصور الشديد في عمليات التخطيط، أولاً لأن المفهم لها ولأهميتها قاصر تماماً، بل يكاد يكون معدوماً لدى بعض المسؤولين، وثانياً لأن الكوادر لم تؤهل بطريقة تمنحها الفرصة للتخطيط الاستراتيجي، بل وجدت لتنفذ الأوامر التي تصدر لها، وبعضهم ليس مطلوباً منهم إطلاقاً إبداء رأي، أو مخالفة الرأي النازل من أعلى الهرم.

تابعت بعض الشركات المتخصصة كيف تعمل، كيف يبدؤون بتشخيص حالة القطاع بالكامل، يتعرفون عليه بالتفصيل الممل، يمحصون الرسومات التخيلية لـ"سير العمليات"، ويقرنونها بمضامين "الرؤية" و"الرسالة"، وهما ما تجدهما دائماً اليوم تتصدران تعريف أي قطاع، بعضهم يصوغهما مؤمناً بهما، وبعضهم يضعهما لأنهما جزء من "الديكور" الذي يجب للناس مشاهدته.

وبناء على التشخيص، وتقييم "واقعية" الأهداف، وتحديد "المسارات"، وما هي النقطة التي يجب أن نصل لها، تبنى الاستراتيجيات، ويتم التخطيط لكافة العمليات.

لو بسطنا الفكرة، لوجدنا أنك حتى في تفاصيل حياتك، حينما تفتقد للتخطيط السليم، فإنك تعيش في فوضى عارمة، وتدير أمورك بـ"البركة"، وتكون عرضة لأي "هزات" مفاجئة لأنك لم تضعها في الحسبان، والأخطر بأن كل "أحلامك" و"أمانيك" و"أهدافك" تضيع وقد لا تتحقق أبداً، لأنك لم تكلف نفسك عناء التخطيط لها، وبالأخص "التخطيط الواقعي" حسب واقعك وإمكانياتك، وما هو المتاح للتحقيق، وما هو "المستحيل" الوصول إليه من "أحلام".

الخلاصة، حينما تجدون أهدافاً معلنة، ويطول الأمد الزمني لتحقيقها، اعرفوا بأن السبب يكمن في "التخطيط"، لربما يكون ضعيفاً وهشاً، ولربما لم يوجد أبداً، إلا عبر الورق والشعارات.