حوار جدلي دار بيني وبين أحد الأصدقاء المقبلين على خوض التجربة الانتخابية للبرلمان، منبعه كلمات مقتضبة ضمّنها اقتباسات لنصوص دينية وألفاظ ربما لم أكن أعتد عليها في الحديث معه من قبل في سياق المناقشات التخصصية في مجاله والتي جمعتني معه لسنوات، وربما كانت المحور الرئيس لتواصلنا خلال الفترة الماضية. الحق يقال؛ فإني لم أسبر أغوار الرجل بما يكفي في علاقاته الاجتماعية خارج دائرتي، ولم أتعرف على أنماط حياته الخاصة إلاَّ في جوانب قليلة أتاحتها لي الظروف عن طريق الصدفة، والأهم من هذا فإني لا أعلم شيئاً على الإطلاق عن علاقة الرجل بربه وما هي عليه، وفي المجمل.. فإننا جميعاً ليس لنا من الناس إلاَّ ظواهرهم، ما يجعل الحكم على صلة العبد بربه أمراً غير منصف على الإطلاق.

مع ذلك فقد هاجمته بشدة عندما أرسل إليّ كلماته الأخيرة، وشعرت بنوع من القشعريرة إزاء أسلوب ظننته جديداً في لغته التواصلية مع الناس، ذلك الأسلوب الذي أسميته "خطاباً دينياً" بينما أشير في تعليقي على رسالته إلى نيته خوض التجربة البرلمانية، وكيف أن اللحى واقتباسات النصوص الدينية قد أصبحت الجسر الذي يعبر منه المرشحون للوصول إلى كراسي البرلمان، وكيف أن الناس لم تعد تنطلي عليها خدعة "المطوع الحديث" والهداية الفجائية قبيل الترشح، بل كيف أن الناس قد ملّت التعاطي مع من يسمون أنفسهم "رجال دين" أو يكادون.

سيل غامر من الانتقاد وجهته لهذا الصديق المسكين، في تغاضٍ تام عن كون صديقنا هذا مسلماً بالدرجة الأولى، وله الحق بشكل مطلق أن يعبر عن أفكاره ومعتقداته وأن يقتبس ما يشاء من أي نص يشاء لا سيما إن كان في إطار معتقده الديني، ذاك المعتقد المتوافق عليه اجتماعياً دون الدخول في جدلية أنه الدين الحق الذي يعتنقه السواد الأعظم من البحرينيين.

يجدر بي القول إن الرجل كان ضحية تجارب كثيرة سيئة شهدناها في تجارب برلمانية سابقة، دفعتني لأن أصب جام غضبي عليه وكأني أتعاطى مع الدين كتهمة لا كمنهج حياة، ولا أقف على الدين هنا باعتباره المسؤول الأول عن فشل تجاربنا السابقة أو فشل شخوصها، وإنما على كونه العباءة التي يلتحف بها بعض الفاشلين والبائسين لاعتلاء منصة لا تليق بهم أصلاً وغير قادرين على العطاء فيها، بل إن حتى الأكفاء والمؤهلين لم يتمكنوا من الوصول إلاَّ بجلباب الدين أو مظلاته.

إن الحديث عن الدين في هذا الإطار ليس رفضاً للدين في جوهره أو في أتباعه -فنحسب أننا كلنا منهم- كل بطريقته، ولكن الدين وحده ربما لا يصلح لأن يكون هو المعيار الأوحد الذي تقاس عليه كفاءة المرشح من عدمه، الأمر الذي أعتقد أن المجتمع البحريني في الآونة الأخيرة قد أصبح على قناعة به أكثر من أي وقت مضى.

اختلاج النبض:

الدين للجميع وليس للمرشحين وحدهم، غير أننا لا يمكننا أن ننزعهم إيّاه أيضاً.. أما الأهم فإنه لن يكون الفيصل في العملية الانتخابية القادمة، أقول قولي هذا معوّلة على الوعي الشعبي البحريني، ومن منطلق أن "المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين".

**---***

أحمد