إن الحديث عن التبادل الثقافي والحضاري ينطوي على كثير من التجارب الحياتية وثقافات البلدان المختلفة على أصعدة متعددة كالمأكل والمشرب والملبس والسلوك والمبادرات الاجتماعية ومراكز الاهتمام وأسلوب الحياة وغيرها كثير، يأتي ذلك إلى جانب البعد التاريخي والحضاري للبلدان وانعكاساته على ثقافة أهلها وطرق عيشهم أو تلك التي تترتب عليها خصوصيتهم.

وإذا أردنا الوقوف على كل هذا، فكنوز البحرين الثقافية والحضارية كثيرة.. كثيرة جداً.. وإذا أردنا للبحرين الانفتاح جيداً على العالم، فعلينا أن نجيد الاتصال المباشر بين طرفين أو أكثر وألا نكتفي باتصال أحادي الاتجاه نكون فيه المستقبل أغلب الأحيان، ليكون بمقدورنا أن نعرف العالم بالبحرين من خلال ما هي عليه لا من خلال جوارها أو موقعها وحسب.

تكمن هنا فرصة البحرين في تقديم ثقافتها وحضارتها للعالم، من خلال استثمار موسم الصيف بما يشمله من سفر وعطلات تجتذب فيها المملكة كثيراً من السائحين. فماذا أعدت البحرين لهؤلاء السياح؟ إن أردنا الحق، فالمعنيون بالثقافة قد فعلوا الكثير على مدى سنوات، غير أن جهوداً أخرى مازلنا نتطلع لبذلها، وعلى الشعب أن يكون شريكاً في ذلك حتى يغدو ترجماناً فعلياً لثقافته، ولكي لا تناقض الأفعال الأقوال، ويجد السائح نفسه أمام ثقافة مكتوبة أشبه ما تكون بثقافة وهمية أو غابرة بعدما تنصل منها أهلها مرتدين أثواب الحضارة في انفتاح كامل على العالم بما يلغي خصوصيته وتفرده.

إن الموازنة مطلب رئيس في كافة مناحي الحياة ومنها مسألة الانفتاح على الآخر؛ فالانفتاح لا يعني بالضرورة الخروج من جلباب الهوية المحلية بقدر الاستفادة من التجارب الأخرى والثقافات الخارجية في ضوء خصوصية الثقافة المحلية. وإن الوافدين الداخلين إلى المجتمع المحلي عليهم الانخراط في المجتمع بكل مكتسباته، لا التأثير فيه وتغيير ملامحه الثقافية وإفساد هويته.

إن تعريفنا لثقافتنا أمام الآخر لا يجب أن ينطوي على زمن مضى يكشف البون الشاسع بين الزمنين دون تسلسل تاريخي منطقي يفضي إلى إقناع المتلقي بما آل إليه المجتمع في الوقت الراهن؛ فالحديث عن الزي الشعبي البحريني للمرأة مثلاً يجب ألا يختزل في «البخنق» و«الثوب النشل» وحسب، بل يجب أن يضع في مجمل حساباته تحولات الهوية ليشمل ما تميز به لباس المرأة في فترة الطفرة النفطية وما أعقبها من انفتاح خصوصاً في الثمانينات، وعودة المرأة لارتداء العباءة مع ظهور الصحوة الدينية وما مر بهذا الزي من تحولات على مر السنوات، وهكذا. ويقاس عليها التحول العمراني وأساليب العيش وتبدل ثقافة الزيارات بين الأهل والجيران والأصدقاء التي بدأت ببساطة «طق الباب» وانتهت مع ظروف الحياة المعقدة إلى أخذ موعد مسبق والتنسيق للزيارة من قبل الطرفين، أو كيف تبدلت «العزومة» مثلاً من موائد تذبح عليها الذبائح إلى البوفيهات، بل إلى عزائم خارجية في مطاعم توفر الطعام بكميات محدودة وصغيرة.. إنه التحول الثقافي في أنماط وأساليب عيش المجتمع وتفضيلاته.

من المهم أيضاً في الحديث عن تحولات الحياة والتسويق لاستخدام التكنولوجيا كمؤشر لتقدم البلد، وكيف أسهمت التكنولوجيا في تحول أنماط الحياة وأساليبها وكيف كانت تأثيراتها على الخصوصيات الثقافية للبلدان والشعوب، بمعزل عن تصنيفها كإيجابيات وسلبيات. باعتقادي على متاحفنا الالتفات للتحولات الحديثة وألا تكتفي بالتاريخ وحده، بل الأصوب أنها تؤسس لتاريخ المرحلة الراهنة من خلال شواهدها وأدواتها الحقيقية.

اختلاج النبض:

إن الحديث عن الثقافة المحلية وسبل الحفاظ عليها وتوثيق تحولاتها ليس ضرباً من الثرثرة بقدر ما هو دعوة لرصد التحولات الثقافية والاجتماعية في الحياة المحلية وكيف تأثرت تلك الحياة جراء التبادل الثقافي والحضاري مع الشعوب والثقافات الأخرى. فمن جهة نعكس موقعنا ضمن المنظومة العالمية الكبرى، ومن جهة أخرى يكون وقتها باستطاعتنا تكوين صورة واضحة عن حجم تأثير الثقافات الأخرى على ثقافتنا الأصلية والعكس، إن كان لنا ثمة تأثير يمكن أن يلقي بظلاله على الآخر في الخارج.