مؤشرات نجاح أي سياسة اقتصادية هي انعكاسها على مستوى دخل المواطن، سواء كان هذا المواطن موظفاً في حكومة أو في القطاع الخاص أو صاحب مشروع تجاري.

لا يمكن أن أعتبر المؤشرات الاقتصادية التي طرحت مؤخراً مؤشرات نجاح إلا إذا قالت لي الأرقام بأن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يملكها البحرينيون في ازدهار وفي نمو، وأن الأسر التي تعتاش على هذه المشاريع أصبح لديها دخل تدره عليها هذه المشاريع وقد حسن من وضع الأسر ذات الدخل المحدود ونقلها للطبقة الوسطى. اتساع شريحة الطبقة الوسطى مؤشر من المؤشرات الأكيدة لنجاح أي نمو اقتصادي، و العكس صحيح!

لا يمكن أن اعتبر المؤشرات نجاحاً إلا إذا أظهرت لي الأرقام بأن فرص العمل ذات الأجور المجزية التي وفرتها فرص الاستثمار والمشاريع الكبرى للبنية التحتية استحوذ عليها البحرينيين وما فاض منها استوعبه الأجانب.

لذلك نتمنى أن تنزل المؤشرات في قياسها على مستوى الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي يملكها ويديرها البحرينيون، فهنا تكمن المعاناة اليومية ومؤشرات تقلص الطبقة الوسطى تتضح يوماً بعد يوم.

ما الذي حدث يا جماعة؟ كنا قد بدأنا صح، أصحاب المشاريع الصغيرة وتحسين فرص توظيف البحريني كانوا هدفين يوماً ما لإصلاح السوق، ومن أجلهم تأسست مؤسسات عدة، منها هيئة ضمان جودة التعليم، وهيئة تنظيم سوق العمل، ولسبب ما، لابد أن يخضع للبحث والتمحيص للتأكد من قيامها بأدوارها وأداء مهامها بالشكل المطلوب رغم أن فكرتهم - وللحق يقال - رائعة وكانوا رافعات للنمو الاقتصادي الحقيقي.

نحن الآن بحاجة إلى النزول للطابق الثاني، والالتفات إلى الطبقة الأدنى، والبحث في أسباب تقلص هذه الطبقة ومحدودية نجاح بعض المؤسسات، وأعتقد أن منها ستكون نقطة الانطلاق الثانية.

هذه الطبقة تطحن الآن، محلات تقفل وتجار صغار يفلسون، والأجانب اقتحموا هذا السوق باكتساح، والوصول لبعض المؤسسات معقد ولا يسير بذات الوتيرة التي تسير عليها سياسة رفع الرسوم من كهرباء وماء وبلدية والتسجيل العقاري.. إلخ.

هذه واحدة فقط من المسارات التي يجب أن يعاد تقييمها، ولابد من مراجعة سياسة الرسوم. كذلك التي ألقيت على كاهل هذه الطبقة الصغيرة، وساوتها بكبار الشركات، تلك سياسة غير عادلة بتاتاً، وتتناقض مع سياسة إصلاح السوق التي من المفروض أن تشجع البحريني على ترك الوظائف الحكومية وراء ظهره والانتقال للسوق.

وأضف لذلك سياسة فتح الأسواق للأجانب، وتشريع الفري فيزا الذي زاد من نسبة امتلاكهم للسجلات التجارية متزامناً مع إغلاق البحرينيين لسجلاتهم وخروجهم من السوق.

أضف لها أن «أجنبة» المدراء في الشركات والمؤسسات التي تملك الحكومة فيها سهماً أصبح معظمها يحتلها الأجانب، وتقلص عدد البحرينيين بشكل كبير وملحوظ في القطاع المصرفي حتى في مجالس الإدارة بعد أن كانت البحرين رائدة في هذا القطاع.

أليست جميعها مؤشرات اقتصاد سلبية وتعاكس تماماً سياسة إصلاح السوق؟ ألا تلاحظون أننا نسير في الاتجاه المعاكس يا جماعة؟

ما فائدة نمو اقتصادي جيد وتقلص في الطبقة الوسطى بخروج عدد كبير من البحرينيين من السوق؟

ما فائدة نمو اقتصادي ممتاز والأجانب هم من يستحوذون على الوظائف مجزية الأجور؟

ما فائدة نمو اقتصادي ممتاز والسوق يمتلكه أجانب؟

ما فائدة المشاريع إن لم توظف بحريني ولم تستعن بالسوق البحرينية؟

ما فائدة مشاريع كبيرة إن لم تدر تلك المشاريع إيراداتها لخزينة الدولة أسد بها العجز، وأسدد بها الدين وأصفره.

أخيراً، لدينا مجلساً للتنمية الاقتصادية محترم ومجتهد، ونرجو من هذا المجلس أن يعيد النظر في مؤشرات نموه وأن ينزل خبراءه الاقتصاديون للطابق الثاني على الأقل بدلاً من الجلوس في «البنتاهوس».

ملاحظة:

لم نتكلم بعد عن موظفي الحكومة وسياسة التوظيف وحقوق التقاعد وووو. مقالنا اليوم اقتصر على مؤشرات القطاع الخاص فقط لسبب بسيط أنه كان من المفروض خلال هذه السنوات الخمسة عشر أن تتقلص الحكومة كموظفين وكمشغل للاقتصاد، إنما النتيجة لا طبنا ولا غدا الشر!!