انتهى عصر الاستهانة بدول العالم الثالث والنظر إليهم على أنها دول تحط من قدر الإنسان وتحط من مكانه المرأة، وما الأزمة التي نشبت بين السعودية وكندا إلا دليل على ذلك. منظمات حقوق الإنسان التي تتبناها كندا وتقف وراءها دول كثيرة ليس عندها إلا السعودية والدول العربية وما علمت أن هناك متغيرات طرأت على السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية فلقد حققت قفزة في حقوق الإنسان وزيادة في الانفتاح على العالم وهي ليست بالجدار الهابط ولكنها لها مكانة كبيرة بين الدول، ولذلك أستحقت كندا الدرس السعودي وأعتقد أنها تمنت لو لم تقدم على هذه الخطوة بتدخلها في شؤون السعودية. وبدورها أعلنت السعودية أن سفير كندا شخص غير مرغوب وعليه مغادرة المملكة خلال 24 ساعة في مؤشر على قوة الموقف السعودي، عندما أرادت كندا التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية، هناك شيء مهم حدث، السياسة الخارجية السعودية اليوم غير الأمس، لقد أصبح للمملكة نفوذ قوي ليس في الشرق الأوسط فقط، إنما في العالم ولذا مما يحز في أنفسنا نحن كعرب ومسلمين أن حتى مثل هذه الدول مثل كندا لا تزال تنظر إلينا كعرب ومسلمين أننا أمة متخلفة وإلا فما شأن كندا كدولة ليس لها دور عالمي بالسياسة الخارجية، سكانها خليط من المهاجرين تتدخل في شوؤن دولة كبيرة مثل المملكة العربية السعودية، التي تقدم خدمات لملايين البشر في العالم، مثل ما تقدمه الآن في مواسم الحج، وما من دولة تستغيث في العالم نتيجة كوارث طبيعية أو حروب إلا وتجد السعودية هي أول من يبادر في إرسال المساعدات الإنسانيةـ ألم تعِ كندا كل هذه الحقائق.

لم تقرأ كندا كل هذه المتغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط قراءة صحيحة، فكان أن دفعت الضريبة إضافة إلى أن كندا ليست دولة عظمى، ولا لها عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، وعلاقاتها مع المملكة العربية السعودية تقتصر على التجارة، وبعض المنح الطلابية لكنها تجاوزت الحدود المرسومة للعلاقات بين الدول، لاسيما عند التدخل في الشؤون الداخلية، ولذا كان رد فعل السعودية عنيفاً بكل الأحوال وسليماً قانونياً فقط.

يدافعون عن حقوق المرأة وينسون حقوق الشعوب المهجرة وأطفال يحرقونهم في مدنهم وقراهم في سوريا والعراق ودول أخرى ما سمعنا يوماً واحداً أن كندا أرسلت مواد غذائية أو مساعدات إنسانية لشعوب تعيش في الصحراء مثل الشعب السوري. يدافعون عن حقوق المرأة وينسون حقوق مناضلين في إيران يعلقون على المشانق لأنهم يطلبون الحرية لأوطانهم، آخر دولة يحق لها أن تتحدث عن حقوق الإنسان هي كندا لأنها تشتري البشر من كل أنحاء العالم ليعيشوا فيها بإغراءات.

إن السعودية اليوم غير السعودية الأمس، وهي لا تخطو نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادي فحسب، بل تسير المملكة بخطوات سريعة نحو مزيد من التغيّرات على المستوى المجتمعي، لم تشهدها المملكة من قبل، على مدار العقود الماضية، ويبدو أن خطط ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان، تمضي نحو كسر مزيد من القيود والموروثات، التي كان يعتبرها الشعب السعودي مسلمات ومقدسات لا تمس.

وها هي الرؤية السعودية 2030 تسلط الضوء على أهمية تطوير قطاع السياحة والترفيه من أجل تنويع مصادر دخل المملكة وتشجيع استثمار القطاع الخاص، وتحدثت عن خطط لتطوير مواقع سياحية، ولذلك دشنت السعودية، في الأسابيع الماضية، مشروعاً سياحياً ضخماً يهدف إلى تحويل 50 جزيرة، وسلسلة مواقع أخرى ساحل على البحر الأحمر، إلى منتجعات فاخرة.

وأكدت وكالة «بلومبرج» أن السعودية تشهد ثورة في القطاع السياحي، تهدف الخطة إلى تشجيع السعوديين على إنفاق المزيد من دخلهم في البلاد، بدلاً من إنفاقها في السفر إلى الخارج. ويتوقع أن تستكمل المرحلة الأولى من المشروع السياحي في نهاية عام 2022.

من جهتها، ها هي كندا تشعر أنها أخطأت الحسابات، وأقحمت نفسها في قضية أكبر من دورها السياسي الخارجي مما أضطرها إلى طلب المساعدة من ألمانيا، حيث صرح مصدر في الحكومة الكندية أنّ أوتاوا تعمل بهدوء عبر قنوات خلفيّة، للحصول على مساعدة حلفائها وبينهم ألمانيا والسويد من أجل حلّ الأزمة غير المسبوقة في علاقاتها مع السعودية. وكذلك تطلب الوساطة من الإمارات حيث ذكرت تقارير صحفية، أن كندا تعتزم طلب المساعدة من الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا لنزع فتيل النزاع الدبلوماسي المتصاعد مع السعودية، حيث أوقفت المملكة شراء القمح والشعير الكندي.

ما حدث بين السعودية وكندا أعطى درساً قوياً للدول الأخرى التي تقلل من شأن دول العالم الثالث والدول العربية وأن دولنا لحمها مر، لمن يريد النيل منها، وبذلك أعطت السعودية درساً بليغاً حتى لا تجرؤ أي دولة من النيل من الدول العربية.