لقد شهدت المؤسسات الثقافية عبر تاريخها الطويل عملاً دؤوباً على مسار الاشتغال في خلق بيئة اجتماعية وثقافية تنويرية تستطيع التأقلم مع التطورات التي كان يمر بها المجتمع في القرن الماضي.. وكيف يمكن لهذه المؤسسات مناهضة أفكار التخلف والهيمنة على المجتمع.. فكان سلاح هذه المؤسسات هو الثقافة.. فهي المدخل الذي يصعب إغلاقه.. نظراً لطبيعة المجتمع البحريني المنفتح على العالم بحكم أن البحرين جزيرة وميناء مفتوح على الحضارات المختلفة والثقافات التي يحملها القادمون إليها من أطراف العالم.

إن من يقرأ كتاب الباحث البحريني الراحل مبارك الخاطر المعنون «الكتابات الأولى لمثقفي البحرين 1875-1925» تستوقفه المحاولات الكثيرة التي قام بها مثقفو البحرين في ذلك الوقت من أجل خلق حراك ثقافي عن طريق إنشاء المكتبات العامة وجلب الصحف من مصر وسوريا ولبنان عبر وسائل مواصلات معقدة وصعبة.. وخلق مشاريع ثقافية نهضوية وتنويرية تربط المجتمع البحريني ومثقفيه بمثقفي الوطن العربي من خلال الرسائل المتبادلة والكتابة في الصحافة.. واستيراد المجلات والكتب التي تصدر في الوطن العربي لتكون في متناول المثقف والقارئ البحريني.. والسعي إلى نشر التعليم والمعرفة، والوقوف بحزم أمام محاولات منع المرأة من الحصول على التعليم.. وكذلك إنشاء المؤسسات والأندية الثقافية التي لعبت دوراً تنويرياً سواء في المدن أو القرى ومهدت محاولاتها الناجحة في تنمية وتطوير المجتمع البحريني ودعم وحدته الوطنية.. وخلق روح الترابط بين أطيافه.. حتى وصل إلى المستوى الذي نفخر به في وقتنا الحاضر.

إن المؤسسات الثقافية - في ظل الظروف والإمكانات المتاحة لها - تحاول جاهدة القيام بتحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها.. وهي تعزيز أدوات ووسائل الثقافة للوصول إلى الديمومة الثقافية المستقرة.. ولكن هل المؤسسات الثقافية تؤدي دورها بالشكل المطلوب المواكب للتغيرات الحديثة في الحركة الثقافية؟هل القوة الشبابية المبدعة لها الرغبة في تفعيل تلك المؤسسات والاندماج فيها؟ وهل المؤسسات الثقافية قادرة على مواكبة المتغيرات الكثيرة والمبادرة بأفكار جديدة؟

من أجل أن تكون هذه المؤسسات الثقافية في أفق الثقافة دائماً ومواكبة للمستجدات فيه.. المطلوب هو إدماج القوى الشبابية المبدعة والقادرة على الإسهام بمشاركة القيادات الإدارية المسؤولة عن هذه المؤسسات على خلق نبض تفاعلي مشترك.. يستلهم من الرموز الثقافية خبرتهم ومكانتهم وقدرتهم على تذليل الصعاب.. ومن الشباب حماسهم وأفكارهم التجديدية التي تدفع بالعمل الثقافي خطوات متقدمة إلى الأمام.. مع وضع استراتيجية طموحة تسعى إلى خلق قاعدة من الشباب الواعد، بمساندة الرافعة القوية مِن أصحاب الخبرات المؤسسين لتلك الحركة ليتركز عليهم المجتمع التنموي ويستمر نهج التنوير.

إن المؤسسات الثقافية ليست بمؤسسات ربحية.. بل هي مؤسسات أهلية قائمة على العمل التطوعي البعيد عن الأغراض والمصالح الشخصية من قبل القائمين عليها.. ولكن وجودهم في المناصب القيادية هو دعم لاستمراريتها وخلق ثقة متبادلة بينها وبين المؤسسات الرسمية والخاصة.. وجسر من الترابط الخارجي يتنامى ويشتد مع المؤسسات الثقافية في العالم العربي وبعض دول العالم.. بدعم رسمي من هيئة البحرين للثقافة والتراث بصفتها الجهة الرسمية المدرجة هذه المؤسسات الثقافية تحت مظلتها.

إن المطلوب الآن من المؤسسات الثقافية هو المزيد من المشاريع والاستراتيجيات الهادفة إلى التنوير المجتمعي والذي يجب ألا يقف عند مرحلة معينة.. مع استقطاب الشباب الواعد والطموح الراغب في الإسهام في الفعل الثقافي بجهده وفكره لتجسير المسافة بين الخبرة والطاقة الشبابية كي تستمر هذه المؤسسات الثقافية في استدامة دورها في التنوير الثقافي الذي يستهدف المستقبل الأفضل للمجتمع.