يبدو الرئيس الإيراني حسن روحاني في موقف حرج لا يحسد عليه، يصل إلى درجة الورطة، وربما إلى العزل في مرحلة لاحقة، حيث يواجه انتقادات حادة نتيجة السياسات الاقتصادية لحكومته، وتتنوع تلك الانتقادات بين خصومه المحافظين، وأنصاره الإصلاحيين، والمواطن الإيراني، الذي يتجرع ويلات فشل الحكومة في إنقاذ العملة المحلية من الانهيار، حيث فقدت الأخيرة أكثر من نصف قيمتها خلال 4 أشهر، على وقع العقوبات الأمريكية الأخيرة، حيث تسببت في ارتفاع كبير في أسعار سلع أساسية بلغت من 20% إلى 70%، أبرزها طال مشتقات الحليب والدواجن والفواكه والخضروات.

ومنذ بداية العام الجاري تخرج بين فترة وأخرى تظاهرات واحتجاجات تندد بالوضع الاقتصادي المتدهور، وغلاء المعيشة، والتأخر في دفع الرواتب، ولم يسلم من تلك الانتقادات والاحتجاجات والهتافات المعادية، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والرئيس روحاني.

وبعدما أخفق في عدم إقناع أعضاء مجلس الشورى الإيراني بشأن استجواباتهم وأسئلتهم حول تدهور الاقتصاد الذي يشهد أزمة حقيقية، يجد الرئيس الإصلاحي نفسه أمام القضاء، حيث رد روحاني خلال استجوابه أمس على 5 أسئلة برلمانية مرتبطة بشكل رئيس بالاقتصاد، شملت تراجع قيمة العملة الإيرانية وارتفاع أسعار العملة، واستمرار العقوبات البنكية نتيجة الاتفاق النووي، وتهريب السلع، والبطالة، والركود الاقتصادي، ومن بين 5 أسئلة فشل روحاني في الرد على 4 أسئلة برلمانية، الأمر الذي أدى إلى إحالته إلى القضاء حيث يواجه تحقيقاً في 4 محاور. ولم يكن الأمر مفاجئاً بالنسبة للرئيس الإصلاحي، حيث تلقى ضربة قاسية الأحد الماضي عندما صوت مجلس الشورى على سحب الثقة من وزير الشؤون الاقتصادية والمالية مسعود كرباسيان بعد نحو 18 يوماً من عزل وزير العمل علي ربيعي في 8 أغسطس الجاري، وبذلك تمت الإطاحة بوزيرين من حكومة روحاني خلال نحو أسبوعين على وقع أزمات اقتصادية خانقة نتيجة انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل نحو 3 أشهر من الاتفاق النووي الذي أبرمته مجموعة «5 + 1» «أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا»، مع إيران في يوليو 2015، ثم إعادة فرض عقوبات جديدة على طهران الشهر الجاري، وسلسلة عقوبات أخرى مرتقبة في نوفمبر المقبل من المنتظر أن تستهدف قطاع النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني بشكل كبير ومباشر. وتفاديا لتعرضها لعقوبات أمريكية قاسية، سارعت كبريات الشركات الاستثمارية العالمية، إلى الانسحاب من السوق الإيراني، حيث تخلت عن اتفاقيات ومشروعات تجارية بمليارات الدولارات، ومن أبرز تلك الشركات، شركة النفط الفرنسية العملاقة «توتال»، وشركة صناعة السيارات الفرنسية «بيجو»، وشركات أمريكية لها ثقل عالمي مثل «هونيويل» و«دوفر دوف» و»جنرال إلكتريك» و«بوينغ»، وعملاق الشحن البحري العالمي، «ميرسك»، وشركة «لوك أويل» الروسية، وشركة «ريلاينس» الهندية العملاقة، التي تملك أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم، إضافة إلى شركة «سيمنز»، العملاقة والتي تتنوع اختصاصتها بين الصحة والصناعة والطاقة والاتصالات المتنقلة، وفقا لتقرير بثته قناة «سكاي نيوز عربية».

وقبل أيام، أوقفت الخطوط الجوية البريطانية «بريتيش آيرويز» وشركة الطيران الفرنسية «آير فرانس»، رحلاتها من لندن وباريس إلى طهران، بدءاً من الشهر المقبل، لأنها «ليس لها جدوى تجارية»، وكنتيجة مباشرة للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، قبل أن تنسحب شركة «ديملر» الألمانية، الأولى عالمياً في مجال السيارات والشاحنات، فيما أعلنت مجموعة «آير ليكيد» الفرنسية للغاز الصناعي أنشطتها التجارية في إيران لنفس السبب، وفقاً لما ذكرته وكالة «الصحافة الفرنسية».

وإذا كانت الانتقادات تتوالى على حكومة روحاني نتيجة تراخيها في الاستفادة من الاتفاق النووي الموقع في يوليو 2015، حيث فشلت على مدار 3 سنوات في استغلال العقوبات التي تم تعليقها، والأموال التي منحت لطهران، في معالجة ملفي التضخم والبطالة، لاسيما وأن نحو 5 ملايين إيراني يعانون من البطالة، إضافة إلى فقدان الثقة في التيار الإصلاحي لاسيما بين طبقة العمال والكادحين، إلا أنه لا يمكن تجاهل محاولات المحافظين المتشددين لعرقلة سياسات روحاني، خاصة مع تدخل الحرس الثوري الإيراني في المسائل الاقتصادية، وهو الأمر الذي دفع روحاني قبل فترة إلى توجيه انتقادات حادة إلى الجيش الإيراني حينما قال إن «وساوس القوات المسلحة في موضوع اقتصاد البلاد، إنما يبعدها عن أهدافها السامية». وما يؤكد ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، قبل نحو عام، ونقلته صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، والذي مفاده أن «الحرس الثوري الإيراني بات مجبراً على تقليص إمبراطورية أعماله بدرجة كبيرة، في وقت يتعرض فيه عدد من كبار قادته للاعتقال في إطار محاولات روحاني الحد من النفوذ الاقتصادي والمالي لأكبر جهاز أمني في البلاد».

ونسبت الصحيفة البريطانية إلى مسؤول رفيع في الحكومة قوله إن «الحرس الثوري الذي يهيمن على قطاعات حيوية مثل النفط والغاز والاتصالات والتشييد، شرع في إعادة هيكلة بعض الشركات القابضة وإعادة ملكية البعض الآخر إلى الدولة، حيث تعرض على 10 من كبار أعضاء الحرس للاعتقال في الأشهر الأخيرة، فيما أجبر آخرون على رد الثروات التي حصلوا عليها من أعمال مشبوهة، لاسيما بعد الانتقادات القاسية التي وجهها الرئيس الإصلاحي للجهاز الأمني والثروات الطائلة التي يجمعها أعضاؤه ومنتسبيه البالغ عددهم نحو 120 ألف عضو»، لاسيما وأن الحرس الثوري الإيراني يتبع عقائدياً وسياسياً وعسكرياً المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

بيد أن ما يدفع الإيرانيين إلى التظاهر والاحتجاج والإضراب ضد سياسات حكومتهم، ما يتعلق بالإنفاق الإيراني السنوي من أجل دعم أنظمة مارقة وميليشيات تدعم الإرهاب والتطرف وتنفذ سياسات طهران خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وقبل 8 أشهر، كشفت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في تقرير، تناولته وسائل إعلام عربية ودولية، أن النظام الإيراني ينفق نحو 16 مليار دولار سنوياً من أجل دعم أنظمة وميليشيات تابعة له، حيث استحوذ نظام الرئيس بشار الأسد على النصيب الأكبر من ذلك الدعم بنحو 15 مليار دولار سنوياً، فيما تحصل ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق على مبالغ تصل قيمتها بين 150 مليون دولار إلى مليار دولار سنوياً، بينما تبلغ حصة ميليشيات «حزب الله» اللبناني - المصنف إرهابياً بحرينياً وخليجياً وعربياً وأمريكياً - نحو 800 مليون دولار سنوياً.

* وقفة:

«ماذا فعلنا بهذه الأمة؟ لقد جعلناها بائسة وتعيسة».. تعليق أمثل من النائب الإصلاحي إلياس حضرتي جسد حقيقة الأوضاع المتدهورة في إيران!!