يخبرني أحد الأصدقاء وهو خريج إحدى الجامعات «الحكومية» بدولة خليجية شقيقة أن جامعته لا تزال على تواصل مستمر معه للاطمئنان على أحواله، على الرغم من تخرجه منها منذ أكثر من خمس عشر عاماً. وهذا النهج معروف وتتبعه جلّ الجامعات العالمية المحترمة التي تعتز وتفخر أيما فخر بخريجيها وتباهي بهم بين المؤسسات التعليمية المقارنة، على اعتبار أنهم يعكسون مدى جودة نظامها الأكاديمي وبرامجها الدراسية.

أما أن تتبع جامعة من الجامعات نهجاً مغايراً لا بل مضاداً ومناقضاً لذلك، فإنه مما يؤسف له حقاً، وعندما تكون هذه الجامعة من الجامعات الخاصة فإن ذلك يضاعف حجم الأسف، ذلك أنه من المفترض أن تكون الجامعات الخاصة أشدُّ حرصاً من الجامعات الحكومية على جودة الخدمات التعليمية المقدمة خاصة مع ارتفاع كلفة الدراسة فيها واهتمامها المضاعف بعامل «السمعة» حتى تتمكن من استقطاب مزيد من الطلبة إليها.

استذكرت ذلك كله وأنا أتلقى قبل أيام اتصالاً غريباً ومفاجئاً من مكتب أحد المحامين يخبرني فيه بأن الجامعة التي تخرجت منها منذ أكثر من أربع سنوات كاملة – وبالتحديد منذ يوليو 2014 – تطالبني بدفع مبلغ مالي يزعم أنه مستحق للجامعة ويهدد بتحويل الأمر للقضاء..!

أما الغريب فإنني لا أعلم أي شيئ عن هذا المبلغ خاصة وأنني قد انقطعت علاقتي بالجامعة منذ حفل التخرج واستلام كافة شهادات الفصول الدراسية وشهادة التخرج المصدقة والمدموغة بختم إدارة القبول والتسجيل بعد الحصول على وثيقة براءة الذمة وتسليمها لقسم التسجيل آنذاك، ولم أخبر سابقاً أو أخطر بوجود أي متخلفات مالية، وأما العجيب فإنني كنت أسدد الرسوم كاملة وأولاً بأول وفصلاً بفصل، فمن أين جاء هذا المبلغ المستحق كما تزعم الجامعة الآن وبعد كل هذه السنوات، مع العلم بـ «تفاهة» المبلغ الذي تطالب به الجامعة الآن مقارنة بآلاف آلاف الدنانير التي دفعتها طوال فترة دراستي الجامعية؟!

لقد درست في هذه الجامعة نحو أربع سنوات لنيل درجة الماجستير في تخصص مغاير لتخصصي في البكالوريوس، ورغم كل الصعوبات حرصت طيلة تلك السنوات على إحراز التفوق وتصدرت - ولله الحمد والمنة - لوحة الشرف في معظم الفصول الدراسية بمعدل أكاديمي 4 من 4. غير أنه طيلة السنوات تلك ما لقيت ولا زملائي المدرجين على لوحة الشرف أي تكريم أو تقدير من قبل الجامعة، سوى لصق اللوحة المضمنة أسماء المتفوقين على حائط الكلية.

الآن ولأنني مؤمنة بعدالة قضاء بلادي وحق كل شخص باللجوء إليه، فما أهمني مطالبة الجامعة تلك أو تلويحها بالمقاضاة، ولكن ما أحزنني حقاً فقدان هذه الجامعة عنصر الاحترام لخريجيها، فلا أقل من أن تكلف نفسها عناء التواصل معهم والاطمئنان على أحوالهم، أو محاولة ضمّ خريجيها المتميزين لكادر بحثها وتدريسها، تماماً كما تفعل سواها من الجامعات على الأقل، لكنها عوضاً عن ذلك باتت تطالبهم بمطالبات مالية غير واقعية وتلوح لهم بالقضاء إن هم تخلفوا عن سداد ما لا تستحقه.

لقد جرت العادة في كافة الجامعات - حكومية كانت أو خاصة - على ألا يتم تسليم الخريج شهادة تخرجه أو شهادته المصادق عليها من قبل مجلس التعليم العالي – بالنسبة لشهادات الجامعات الخاصة – ما لم يستوفٍ الخريج كافة متطلبات التخرج ومن بينها استصدار ورقة براءة الذمة موقع عليها من قبل رئيس القسم وعميد شؤون الطلبة ومكتبة الجامعة وإدارة أو قسم الشؤون المالية فيها تثبت سداد الطالب كافة المستحقات المترتبة عليه، وبناء على ذلك فإن الجامعة – محل الحديث – ما كانت لتصدر لي أو لغيري تلك الوثيقة التي تسلمت شهادتي بناء على تسليمها لقسم التسجيل لو لم أدفع كافة مستحقاتها، فما معنى أن تأتي بعد أربع سنوات من انقطاع علاقتي معها للمطالبة بالمزيد؟!

هل معنى ذلك أن على خريجي هذه الجامعة أن يظلوا مهددين بمطالبات مالية مستقبلية من قبل الجامعة متى ما شاءت «أو أفلست» حتى مع انتهاء إجراءات تخرجهم ومرور سنوات على ذلك، وهل من المنطقي أن يفاجئ الطلبة بمطالبات مالية نظير بنود لم تضمن ضمن الخطة المالية للبرنامج الدراسي أصلاً؟

والسؤال الجدير بالطرح هنا موجه إلى مجلس التعليم العالي: ماذا أنتم فاعلون حيال وضع كهذا؟ وأين دوركم الرقابي على استنزاف جيوب الطلبة والخريجين؟ وما أنتم فاعلون لحمايتهم من هذا الاستغلال الصريح؟

* سانحة:

للإفلاس أوجه شتى، والإفلاس لا يكون مادياً فحسب. أما أسوأ صوره فهي الإفلاس المعنوي، فقدان الأخلاقيات.. قلة الاحترام.. سوء التقدير.. التجاهل.. الاستغلال.. الابتزاز. وما أكبر فجيعة المرء عندما يُفلس الآخر الذي يجلّه ويبجله ويحترمه ويقدره!