أحد الإخوة يسألني: «أخي فيصل، هل ستصوت في الانتخابات النيابية القادمة، أم لا»؟!

أجبته فوراً بـ«نعم وأكيد»، سألني «لماذا»؟! فالبرلمان خلال تجربة عدة فصول تصل لـ 16 عاماً، لم يحقق الفائدة المرجوة منه، لم يثبت قدرته على تحقيق طموحات الناس وحل المشاكل.

إجابتي كانت بأنني مؤمن بالمنظومة، وليس بالأشخاص مع احترامي لهم، الفكرة هنا بأن منظومة البرلمان كأداة دستورية حققها لنا مشروع جلالة الملك الإصلاحي المشكلة ليست فيها ككيان بل المشكلة في الأفراد.

نحن اليوم كأفراد في أي منظومة كانت، نحن من يحكم ويقرر على هذا الكيان بالنجاح أو الفشل.

للأسف الشديد نحن نرى أداء لبعض الشخصيات التي تصل لكرسي البرلمان لا يتفق ولا يتسق أصلاً مع الوعود النيابية التي أطلقوها لجذب أصوات الناخبين.

حينما نقارن وضع بعض النواب خلال فترة الترشح عند فتح المقار الانتخابية والخيام الكبيرة و«البوفيهات» من ناحية الوعود والشعارات والكلام الجميل والندوات التي فيها لغة بطولية ونضالية من أجل الناس وحقوقهم وهمومهم وتحقيق مطالبهم، نقارنها بوضعهم بعد وصولهم للكرسي البرلماني، نجد أن اللغة تغيرت، الوعود تختفي، النائب بنفسه يختفي، أرقام هواتفه تتغير، طريق ناخبيه للوصول له يصبح «وعراً» جداً.

وهنا نذكر بأنه «لو خليت خربت» فإن هناك عدداً من النواب منذ اليوم الأول سعوا لتحقيق وعودهم الانتخابية، تواصلهم مع ناخبيهم وأهالي دائرتهم لم ينقطع، وأيضاً مواقفهم التي يسجلها التاريخ عليهم من خلال ما ينشر في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي تثبت بأن هذا الرجل يحاول ويسعى لتحقيق الأفضل للناس. بالتالي الخلل ليس في المنظومة والكيان كبرلمان، الخلل في بعض الناس التي توصل.

هل نلوم أنفسنا أن اختياراتنا خطأ؟! أنا اليوم كناخب قد أختار شخصاً بناء على مشروعه ووعوده الانتخابية وما سمعته من تصريحات صادرة عنه سواء في وسائل الإعلام أو الندوات التي يقيمها، لكن حينما يكون في المحك، وفي الموقع والمنصب ومغرياته العديدة، والتي تتشعب لأكثر من البدلات والسيارة وغيرها، هنا يحصل الخلل.

اليوم أنا كنائب أمتلك السلطة التشريعية والرقابية، وأستطيع المسائلة وأصل لمرحلة طرح ثقة تصل لمستوى الورزاء، عندما أقبل بتطور العلاقة مع أفراد السلطة التشريعية لتتجاوز العلاقة المهنية الاحترافية وتصل لعلاقة أكثر من أخوية، بالتالي هنا أفسح المجال «لتضارب المصالح»، فتضيع الاحترافية، وتدخل المصالح الشخصية لا محالة.

هذا للأسف هو ما يفسر لنا الكثير من الأمور التي كانت تحصل في عملية الاستجوابات المزمعة داخل المجلس، وكيف أن أعداد المستجوبين تتناقص بشكل غريب، حتى يسقط الاستجواب من أساسه. لأن بعض النواب «خلط» العلاقة المهنية بالعلاقة الشخصية، وتحول المسؤول المفترض أن يسائله ويدقق عليه ويحاسبه لصديق «يمون» عليه! وهنا أحد الأخطاء الكبرى التي تفرغ الأمور الهامة من محتواها.

العملية كلها في الأفراد الذين يصلون للمنظومة البرلمانية التي نطمح لتقويتها اليوم بكل قوة. بالتالي هناك مسؤولية أولا على الناخب حينما يختار. لابد أيها الناخب أن «تفلتر» المترشحين، ضعهم تحت محكات واختبارات، ولا تستهل العملية معهم، لابد لهم أن يحسوا بحجم وثقل الأمانة التي يحملونها وهي «صوت المواطن».

وفي جانب آخر، لابد وللنائب أن يلتزم بتعهداته ووعوده، لا أعلم إن كان مقترحي هنا جنونيا أو يصعب تطبيقه، لكن ما المانع اليوم لو أقدم كل مترشح بشكل طوعي لإثبات مصداقيته، أن يوقع على وثيقة تعهد حينما يقيم تجمعا لأهال منطقته في خيمته الانتخابية ويفرش لهم البوفيه والمأكولات، وثيقة يتعهد فيها بأنه لو أخل بوعوده أو شعاراته للناس فهو ملزم بتقديم استقالته؟! رغم صعوبة أن يقدم أحد على ذلك، لكن نطرح الفكرة، لأن العذر المقابل لعملية الالتزام بالوعود ليس مقبولاً أبداً، حينما يستعرض بعض المترشحين وقت الترشح ويعد الناس بأنه سيستقيل ليضمن أصواتهم، ثم حين يصل للكرسي يقول لهم بأن الاستقالة عملية صعبة التحقق، لأنه سيضيع على الصعيد الشخصي!

هذا معترك صعب، وفيه جدية يجب أن يستشعرها الجميع خاصة إن كانوا يريدون ثقة الناس، وعليه لا تعد يا مترشح الناس إلا بأمور يمكنك تحقيقها، وأنت يا ناخب لا تمنح صوتك إلا لمن تثق بأنه أهل له، وهذا لا يتم إلا عبر تصعيب الأمور عليه، وإخضاعه لعدة اختبارات تكشف مبادئه ومصداقيته وأخلاقياته.

بالوعي المجتمعي، وبتعلم الناخب من أخطائه، يمكننا الارتقاء بهذه التجربة، لا الاستسلام والهروب منها، وإلقاء اللوم على «المنظومة» متناسين بأن الأفراد الخاطئين هم من يهدمون أي منظومة، حتى لو كانت إحدى منظومات «المدينة الفاضلة» نفسها!