يضيق الرئيس الأمريكي الخناق على الفلسطينيين بتشديد ضغوطه، حيث يواصل توجيه ضرباته المتلاحقة إلى القضية الفلسطينية، ما يؤكد عزمه على تصفيتها من جذورها. وليس أدل على ذلك من خفض الإدارة الأمريكية الحالية نحو نصف مليار دولار من المساعدات الأمريكية للفلسطينيين. وخلال الـ48 ساعة الأخيرة، اتخذت إدارة ترامب قرارين سلبيين ضد الفلسطينيين، أولهما، إلغاء أمريكا مساعدة بقيمة 25 مليون دولار لمستشفيات فلسطينية في القدس المحتلة، وثانيهما، عندما قررت إدارة ترامب إغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، بذريعة أن القادة الفلسطينيين يرفضون الحديث مع إدارة الرئيس الأمريكي وبعدم إجراء مفاوضات سلام مع إسرائيل، وإصرارهم على فضح جرائم الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ومنذ قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، وتوليه السلطة في 20 يناير 2017، تتوالى ضرباته المتلاحقة بحق الفلسطينيين وبحق قضيتهم، متجاهلاً ما تمثله القضية الرئيسة من أهمية لدى العرب والمسلمين على حد سواء. وكانت أولى الضربات، بعد نحو ساعات من وصوله إلى حكم أمريكا، حيث رفض البيت الأبيض التعليق على إعلان إسرائيل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية المتحدة، وبرر المتحدث باسم الرئيس الأمريكي وقتها ذلك الأمر بأن «ترامب يريد التقرب من إسرائيل»!

وفي فبراير من العام ذاته، أكد ترامب خلال أول لقاء جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن «حل الدولتين ليس الطريق الوحيد لتحقيق السلام»، وبعد نحو شهر من موقفه، جاءت تصريحات سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هايلي، لتصب الزيت على النار حينما نددت بالهجوم المتواصل الذي تشنه بعض الدول في مجلس الأمن، ضد الكيان الصهيوني، مشددة على أن «عملية تشويه إسرائيل في الأمم المتحدة انتهت»، على حد تعبيرها.

ولن ينسى العرب والمسلمون ما فعله ترامب في مايو 2017، حينما زار حائط البراق في القدس المحتلة، مرتدياً القلنسوة اليهودية «غطاء الرأس»، في خطوة هي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي، وسط تقارير تحدثت عن أن الإسرائيليين أجبروا ترامب على ارتدائها، ولم يتردد وقتها نتنياهو في إعلان الاتفاق الذي تم بينه وبين ترامب بزيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل التصريحات العدائية التي تصدر بين فترة وأخرى من السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، وهو صديق لترامب ومستشار مقرب منه، لا سيما حينما أثار غضب الفلسطينيين بقوله إن «السلطة تتحدث عن احتلال إسرائيلي مزعوم للضفة الغربية»، وربما هذا ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى وصف السفير الأمريكي لدى إسرائيل بأنه «ابن كلب»، بسبب تأييده للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.

وفي ديسمبر 2017، فجر الرئيس الأمريكي مفاجأة من العيار الثقيل، عندما قرر إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وقرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، في قرار مخالف لسياسة رؤساء أمريكا السابقين، وهو ما أثار غضب وسخط الفلسطينيين والعرب والمسلمين مجدداً على الرئيس الأمريكي وسياساته، وسط استنكار أممي ودولي، حيث اندلعت مظاهرات حاشدة في مدن عربية وإسلامية تندد بالقرار الأمريكي. ولم يتردد الرئيس عباس في إبداء غضبه وسخطه تجاه سياسة ترامب حيث وصف ما يتم تداوله والحديث عنه بشأن «صفقة القرن»، والتي تعد خطة السلام الرئيسة لترامب، بأنها «صفعة القرن». ورفض عباس على إثر ذلك استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في رام الله، ضمن جولة كان ينوي القيام بها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما فسره ترامب على أنه «عدم احترام لأمريكا».

وبداية العام الجاري، أعلنت واشنطن أنها لن تصرف مساعدات غذائية قيمتها 45 مليون دولار تعهّدت بتقديمها للفلسطينيين، في إطار الجهود التي تقودها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، قبل أن تقرر في وقت لاحق، تعليق مبلغ منفصل بنحو 65 مليون دولار كانت تعتزم تقديمه للوكالة. وواصل الرئيس الأمريكي ضغوطه على الفلسطينيين ولم يتردد في تنفيذ وعده للإسرائيليين ووعيده بحق الفلسطينيين، وفي بداية مايو 2018، استقبل ترامب نتنياهو في البيت الأبيض، وشدد خلال اللقاء الثاني بينهما على أن «العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن أبداً على مستوى الجودة الذي هي عليه اليوم»، وبعد نحو 10 أيام من اللقاء، وتحديداً في 14 مايو 2018، وتزامناً مع ذكرى النكبة الفلسطينية، تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وسط احتفال حاشد وكبير للأمريكيين والإسرائيليين في المدينة المقدسة، على وقع استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة المئات، بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي إثر تظاهرات فلسطينية حاشدة ومواجهات دامية تنديداً بالقرار الأمريكي.

ولم تتردد إدارة ترامب في الأول من يونيو 2018، في استخدام حق النقض «الفيتو» في الأمم المتحدة ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى حماية الفلسطينيين من بطش الاحتلال، وتلا ذلك إعلان واشنطن انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بذريعة «التحيز ضد إسرائيل».

وفي 24 أغسطس الماضي، قررت إدارة ترامب وقف مساعدات أمريكية للسلطة الفلسطينية بنحو 200 مليون دولار، قبل أن تتخذ قراراً نهائياً، بعده بنحو أسبوع، بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، في ضربة ساحقة للوكالة الأممية الدولية، باعتبارها المسؤول الطوعي الدولي الرئيس المخول بحماية اللاجئين الفلسطينيين، وكان الهدف من تلك الضربة، القضاء على الركن الثالث من أركان القضية الفلسطينية، ألا وهو حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بعد ضربة الاستيطان، وضربة القدس المحتلة.

وقبل ساعات، قررت إدارة ترامب إلغاء مساعدة بقيمة 25 مليون دولار للمستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة، وتلا ذلك القرار، إعلان الإدارة الأمريكية إغلاق البعثة الدبلوماسية في واشنطن، بذريعة إصرار الفلسطينيين على تقديم شكوى ضد الكيان المحتل أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يصر عليه الفلسطينيون لفضح جرائم الاحتلال بحق قرية خان الأحمر البدوية الفلسطينية في الضفة المحتلة، لا سيما ما يتعلق بما ترتكبه إسرائيل من جرائم تشمل النزوح القسري والتطهير العرقي وتدمير ممتلكات المدنيين.

* وقفة:

أيها الفلسطينيون.. «ما أدراكم من ترامب».. سيواصل تسديد الضربات الإسرائيلية الأمريكية المتلاحقة ضد القضية الفلسطينية من أجل تصفيتها.. لكن هيهات.. لأن الفيصل في ثباتكم.. والرهان على صمودكم.. بوجه الكيان الغاصب المحتل وحلفائه وأصدقائه!!