ردود فعل إيجابية وصلتني بشأن مقال الأمس هنا، والذي بينا فيه الفرق بشأن الحكم على «المنظومة» أو على «الأفراد» التي يديرونها من خلال أدائهم.

أقول هنا بأن الحمد لله مازال لدينا نخب وجموع وأفراد يفكرون بعقلانية، ولا يسقطون في «فخ» التكتلات البشرية، خاصة تلك التي باتت تأخذ أساليب الإحباط والتشكيك واليأس «منهجاً» لها، وبدل أن تبقي هذه المشاعر السلبية بداخلها وتوقفها عندها، تحولت لمصادر بث لهذه الإشعاعات النفسية الضارة.

نحن نعيش في مجتمع يحدو أفراده «الأمل» بشكل يومي، وهذا شيء إيجابي بحد ذاته، حينما يكون الشخص متطلعاً للتغير إلى الأفضل، نعم يعبر عن استيائه ويمارس نقده تجاه الظواهر الخاطئة والأساليب غير الصحيحة، لكنه في نفس الوقت يدعو للتصحيح والإصلاح، وهذا هو الأسلوب الصحيح، لأنه يكشف عن قناعة لدى الفرد بأن «التغيير ممكن» وأن «صناعة المستقبل الأفضل» ليست مستحيلة، طالما تجمعت لدينا «تركيبة» ذكية تتمثل بمجموعات ناضجة تعمل بإخلاص لأجل التغيير، ومنظومات لها قوانينها وضوابطها، عبر إدارتها بشكلها السليم يتحقق هذا التغيير ونضمن للمجتمع وأفراده الأفضل.

الإيجابيون في ردودهم يقولون بأننا اليوم نواجه مشكلة خطيرة تتمثل بـ»تراكمات» منطقية لتجارب غير صحية، ولعمل لم يكن في المسار الصحيح، والأسباب في ذلك، وطبعاً الحديث عن التجربة البرلمانية وتعاطي الناس معها، تتمثل في طرائق العمل داخل البيت التشريعي، وغلبة العدد الأكبر من النواب الذين «انحرف» مسارهم عن الإطار الصحيح للعمل النيابي، على عدد النواب الذين حاولوا التمسك بوعودهم، وسعوا للعمل بما يرضي الله وضميرهم والناس، وبما يحقق المصلحة العامة للوطن.

يفترض أننا ونحن ندخل الفصل التشريعي الخامس، أن يكون الوعي المجتمعي تنامى لأقصى حدوده، وأن أخطاء الماضي انقرضت، وأن تكرار الخطأ عبر اختيارات غير حصيفة ولا دقيقة أمر لا ينبغي أن يقع فيه المواطن مجدداً.

المؤمن «كيس فطن»، ولذلك قال الحديث الشريف بأنه «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، في دلالة على أن تكرار القيام بنفس الخطأ في التعامل مع أية مسائل بنفس الطرق، أو حتى اختيار الشيء الخاطئ مرتين، ليستا من صفات المؤمن المفترض أن يتحلى بالذكاء والنباهة ليميز بين الغث أو السمين.

لذلك نقول دائماً عبر استخدام نفس وزن وسياق هذا الحديث الذهبي، بأنك يا ناخب لا يجب أن تلدغ من «جحر» النائب مرتين، ونعني هنا النائب الذي سبق وأن وصل للبرلمان وأثبت أن وصوله لأجل شخصه ومكاسبه بدليل نسيانه لوعوده الانتخابية ونسيانه للناس.

وكذلك ينطبق القول على من يرفعون نفس الشعارات النيابية التي رفعت سابقاً، في حالة استنساخ غير سوية لشعارات رفعها سابقون وأخفقوا فيها. واليوم نزيد على ذلك بضرورة معرفة تاريخ من يعتزم الترشح ويطلب أصوات الناس، وتسجيل مواقفه السابقة عليه. إذ كثيرون قد يصلون للكرسي النيابي بدون أي تاريخ يشفع لهم، وأعني هنا التاريخ الذي يرتكز على حراك مجتمعي إيجابي، يبرز فيه تضحيات هذا الفرد، وسعيه لأجل المصلحة العامة، ومساهمته في عمليات الإصلاح بالأقوال والأفعال.

لذا اليوم، وبعد إعلان جلالة الملك حفظه الله عن المواعيد المعنية بالانتخابات، سنشهد تزايداً لطلبات الترشح، وستضج الساحة بشعارات ووعود كثير منها مكرر، وقليل منها جديد ومبتكر، يبقى الفيصل في هذه الأمور كلها المواطن نفسه، كيف سيفرز المترشحين، وكيف سيكتشف الأفضل منهم.

النصيحة التي نقدمها اليوم بأن على الناخب ألا يلدغ من جحر النائب الذي خذله مرتين، وضعوا خطاً تحت كلمة «خذله»، إذ منح الفرص أمر إيجابي، لكنه أمر جنوني لو منحته لمن أضاع فرصه مرتين أو ثلاث.

وللحديث عن الشأن الانتخابي مشوار سيطول مقامه خلال الأيام القادمة.