تعرف الوساطة أنها وسيلة اختيارية وودية وسرية لحل النزاعات، يتدخل فيها طرف ثالث محايد وغير منحاز لحل النزاع، يسمى الوسيط. وفي القضية الفلسطينية، ومنذ مشاريع الوسيط الدولي الكونت برنادوت 1948 حتى الوسيط الدولي الحالي للقضية الفلسطينية -الذي لم نعد نعرف اسمه- استنفذ كل ما في كتب السياسة والعلاقات الدولية من مفاهيم ومهارات وحيل وحروب واعتداءات واغتيالات، حيث لم يبق شيء إلا واستخدم، حتى وصلت الأمور إلى قرارات دولية بشأن النزاع العربي الإسرائيلي، وهي قرارات لا لبس وفيها ولا تشكيك، ولا ينقصها إلا التنفيذ، وسنقف على هذه القرارات واحدة تلو الأخرى.

تمثل القرار الأول بإزالة المستوطنات غير القانونية في كافة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ تحظر معاهدة جنيف 4 على السلطة المحتلة إبعاد أو نقل أعداد من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. وبهذا تنتهك المستوطنات الإسرائيلية قرارات مجلس الأمن، بما فيها القرار رقم 452 منذ 1979، الذي يدعو حكومة وشعب إسرائيل على نحو عاجل إلى وقف إقامة وبناء وتخطيط المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، بما فيها «القدس». ولم يتم أبداً تنفيذ هذا القرار..!!

القرار الآخر ينص على إنهاء حصار قطاع غزة، ذاك الحصار الخانق الذي قامت إسرائيل بفرضه على قطاع غزة على خلفية نجاح حماس في الانتخابات 2006، ثم عززت إسرائيل الحصار في 2007 كمنع أو تقنين دخول المحروقات والكهرباء والكثير من السلع، من بينها الخل والبسكويت والدواجن واللحوم ومنع الصيد في عمق البحر، وغلق المعابر بين القطاع وإسرائيل.

أيضاً هناك قرار السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، ويسمى «حق العودة» للفلسطيني المطرود أو الذي خرج من موطنه لأي سبب -»1948» وما بعده- في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني رجلاً كان أو امرأة، وينطبق على ذرياتهما، مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية.

وأخيراً.. التوقف عن سرقة الموارد الطبيعية الفلسطينية. فسنوياً يصدر تقرير أممي يشير لاستيلاء الاحتلال الإسرائيلي على 62٪ من مساحة الضفة الغربية -وهي مناطق وأراضٍ غنية بالموارد الطبيعية- ومنع الفلسطينيون من استغلالها في الاستثمار. ويخصص الاحتلال الإسرائيلي 39٪ من المناطق لبناء المستوطنات أو معسكرات للجيش، أو لإقامة محميات طبيعية، وهذا كله تحت جهاز ما تسمى «سلطة أراضي إسرائيل».

* اختلاج النبض:

عندما قالت السلطة الفلسطينية عن إدارة ترامب أنها وسيط غير نزيه ولن نتفاوض أو نجلس معها، أغلقت واشنطن مكتب المنظمة وألغت فيزا السفير وعائلته. فكيف نتوقع من إسرائيل أن تطبق ما صدر من الأمم المتحدة من قرارات إذا كان هذا أسلوب الوسيط في التعامل مع أحد أطراف القضية؟!