* ماكرون يوسع مبادرته التاريخية المتصلة بحرب الجزائر بتكريم الحركيين

* محلل فرنسي لـ "الوطن": تكريم ماكرون يرضي "الحركيين" ويغضب الجزائر باعتبارهم "خونة"

باريس - لوركا خيزران



في خطوة توسع مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التاريخية حيال حرب الجزائر، قرر الرئيس الفرنسي تكريم "حركيين" وهم مقاتلون جزائريون حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب استقلال الجزائر "1954-1962"، ما رأى فيه المحلل السياسي الفرنسي فرانك سرجالا خطوة جيدة نحو "تعويض حركيين وأسرهم ودمجهم أكثر بالمجتمع الفرنسي، إلا أنها قد تزيد من سخط جزائريين على أعضاء حركيين متهمين بالخيانة من قبل الكثير من الجزائريين".

وكرم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عشرات الحركيين وهم جزائريون حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ثم تخلت عنهم فرنسا في ظروف مأساوية، مواصلاً مبادرته المتصلة بالذاكرة التاريخية بهدف تضميد الجراح التي خلفتها حرب تحرير الجزائر "1954-1962".

وفي الإجمال رُقي 37 شخصاً سواء إلى رتبة فارس أو درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط وغالبيتهم يمثلون جمعيات أو هيئات. ويأتي التكريم قبل بضعة أيام على اليوم الوطني للحركيين المصادف في 25 سبتمبر.

ومصير الحركيين من المسائل العديدة المؤلمة للحرب الجزائرية التي خلفت جروحا عميقة في المجتمع الفرنسي ولا تزال تنوء بثقلها على الذاكرة الجماعية إلى الوقت الحاضر.

وحارب الحركيون في صفوف القوات الفرنسية ضد المقاتلين من أجل تحرير الجزائر في حرب غير متكافئة اتسمت بالوحشية وشهدت تفجيرات وعمليات تعذيب وخطف.

وخدم 150 ألف حركي في صفوف القوات الفرنسية لكنهم بعد انتهاء الحرب جردوا من أسلحتهم وتُرك القسم الأكبر منهم في الجزائر في مواجهة مصيرهم. وتمكن نحو 60 ألفا منهم من الوصول إلى فرنسا ضمن موجة تدفق اللاجئين الفرنسيين "الذين تطلق عليهم تسمية الأرجل السوداء - بيي نوار"، أما الباقون فتعرضوا لعمليات انتقام دامية على أيدي الوطنيين الذين عاملوهم كخونة.

ويطالب "الحركى" الجزائريون باعتراف رد اعتبار من الحكومة الفرنسية وتعويضات بملايين اليوروهات عن الأضرار التي تعرضوا لها في نهاية الحرب الجزائرية.

وأصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة مرسوما نشر في الجريدة الرسمية يرَفِّـع بمقتضاه عددا من الحركى الجزائريين الذين قاتلوا ضمن الجيش الفرنسي في حرب تحرير الجزائر التي استمرت 8 سنوات بين العامين 1954 و1962.

ورفع ماكرون بموجب المرسوم ستة حركيين سابقين ومؤسسة جمعية لهم إلى درجة جوقة الشرف برتبة فارس، أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية.

كما تم ترفيع أربعة أشخاص إلى درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط و15 آخرين إلى رتبة فارس وغالبيتهم ممثلون لجمعيات أو هيئات. ويأتي التكريم قبل بضعة أيام من اليوم الوطني للحركيين المصادف 25 سبتمبر الجاري.

ويأتي قرار التكريم بعيد مبادرة ترتدي رمزية عالية لماكرون عندما تقدم في أواسط سبتمبر بالاعتذار من أرملة موريس أودان الناشط الشيوعي الذي مات تحت التعذيب وكان ضحية "النظام الذي أقامته فرنسا آنذاك في الجزائر" على حد تعبير الرئيس.

وكانت فرنسا استقبلت بعد حرب الجزائر نحو 60 ألف جزائري تم تجنيدهم في صفوف الجيش الفرنسي بعد توقيع اتفاق سلام مع الجزائر. إلا أنها تخلت عن 55 إلى 75 ألفا آخرين بحسب المؤرخين تعرضوا لعمليات انتقام دامية من قبل قوميين كانوا يعتبرونهم خونة.

وكانت مجموعة عمل شكلها ماكرون دعت في يوليو إلى تشكيل "صندوق للتعويض والتضامن" بقيمة 40 مليون يورو لهؤلاء المقاتلين السابقين وأبنائهم. لكن هذا المبلغ أدنى بكثير من مطالب الجمعيات.

وكان ممثلون عن الحركيين دعوا مطلع سبتمبر ماكرون إلى تعويض عن الأضرار التي تعرضوا لها في نهاية حرب الجزائر وذكروه بالدعم الذي قدموه له في عام 2017 مهددين برفع دعوى ضد الحكومة الفرنسية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، قبل أن تجدد لجنة الاتصال الوطني للحركيين رغبتها في المضي "حتى النهاية" ورفع قضيتها أمام المحاكم الدولية ما لم تحصل على رد مرض من الحكومة الفرنسية.

ويقول المحلل السياسي فرانك سيرجالا لـ"الوطن" إن "وضع "الحركى" بعد مرور أكثر من خمسين سنة على استقلال الجزائر، لا يزال صعبا ويطرح تحديا كبيرا لجميع الحكومات الفرنسية المتعاقبة، منذ الرئيس جيسكار ديستان إلى إيمانويل ماكرون، مرورا بجاك شيراك الذي ينظر إليه على أنه الرئيس الذي قدم الكثير لإنصافهم ومنحهم حقوقهم".

وأضاف "حاولت الحكومات الفرنسية المتعاقبة تحسين ظروفهم المعيشية وتمرير بعض القوانين التي تصب في مصلحتهم مثل قانون رفع المعاشات. إلا أن وضعهم الاجتماعي لم يرق في نظرهم إلى مستوى التضحيات التي قدموها. فلا يزال أولادهم يعانون الفقر والبطالة ويشكون من العنصرية ويواجهون مشاكل جمة للحصول على وظائف في الشركات الخاصة ومؤسسات الدولة".

وأكد سيرجالا أنه "على الرغم من أن خطوة ماكرون تأتي في سياق دمج "الحركى" في المجتمع الفرنسي أكثر وإنصافهم، إلا أنها ستشعل موجة غضب كبيرة عليهم من قبل أبناء جلدتهم في الجزائر، إذ أنهم ما زالوا يرونهم خونة حتى الآن".

والحركى هم جزائريون اختاروا القتال ضمن الجيش الفرنسي ضد الثوار الجزائريين خلال حرب التحرير الجزائرية "1954-1962" لأسباب مختلفة.

وبعد نهاية حرب الجزائر والتوقيع على اتفاقية "إيفيان" في 1962، غادر ما يقارب من 60 ألف منهم الجزائر رفقة الجيش الفرنسي و"الأقدام السود" خوفا من عمليات انتقامية، بينما بقي في الجزائر نحو 70 ألف آخرين، حسب تقديرات بعض المؤرخين.

وكانت الظروف التي رافقت وصول الحركى إلى فرنسا صعبة جدا. فقد تم "تكديسهم" وعائلاتهم في مراكز مغلقة لإيواء اللاجئين بجنوب وشمال فرنسا. فعاشوا لغاية السبعينات داخل تلك المراكز وترعرع فيها أولادهم ودرسوا في هذه المراكز التي وصفت بأنها "سجون مفتوحة".

وبعد تولي جيسكار ديستان الحكم في 1974، قرر إغلاق هذه المراكز وإسكان الحركى وعائلاتهم في شقق لائقة تقع غالبيتها في أحياء شعبية.

وخلال حملة الرئيس ماكرون الانتخابية في 2017، تعهد بالتكفل بشؤونهم وإعطائهم حقوقهم وإنصافهم. وعندما زار الجزائر في ديسمبر 2017، ناقش ملف الحركى مع الحكومة الجزائرية ودعاها إلى أن تفتح لهم الأبواب لكي يعودوا إلى وطنهم الأم.

لكن طلب ماكرون قوبل بالرفض، إذ اعتبر وزير المجاهدين وقدماء المحاربين الطيب زيتوني أن "التاريخ حسم قدرهم". وأضاف الوزير في تصريح في 7 يوليو الماضي":" لقد اختاروا موقعهم. الناس الذين خانوا وطنهم وإخوانهم لا يحق لهم أن يعودوا إلى وطننا".

وتجدر الإشارة إلى أن أولاد الحركى غير ممنوعين من العودة إلى الجزائر كما هو الحال بالنسبة إلى أبائهم، لكن الجزائريين ينظرون إليهم بنوع من الاحتقار والإساءة كونهم يمثلون فترة تاريخية صعبة بالنسبة إليهم.

وتضمن التقرير الذي قام به المحافظ دومنيك سو بطلب من وزيرة المحاربين القدماء الفرنسيين جونفييف داريوسيك، على أكثر من 50 اقتراحا تهدف كلها إلى تحسين ظروفهم المعيشية وظروف عائلاتهم والاعتراف بشكل رسمي وعلني بما قدموه من تضحيات لصالح فرنسا.

ومن بين هذه المبادرات الفرنسية رسميا بدور الحركى خلال الحرب الجزائرية وتخصيص مساعدة لهم ولأبنائهم بقيمة 40 مليون يورو. أما المبادرة الثانية التي تعتزم الدولة الفرنسية اتخاذها فتكمن في جمع شهادات وصور وفيديوهات حول تاريخ الحركى وتنظيم محاضرات ولقاءات في المدارس لإبراز دور هؤلاء المقاتلين إبان الحرب بين فرنسا والجزائر، فضلا عن تخصيص دروس كاملة حول تاريخهم.

لكن جمعيات الحركى تريد المزيد وتطالب بتعويضات مالية تكون بقدر التضحيات التي قدمها الحركى الذين عانوا من سنوات النسيان وتلاعب السياسيين بقضيتهم.

ويعتبر ملف الحركى من الملفات الشائكة بالنسبة للدولة الفرنسية منذ 1962. فكل رئيس حاول أن يعالجه وفق نظرياته ومواقفه السياسي.

الرئيس جاك شيراك قرر مثلا في 2003 تخصيص يوم وطني لتكريم الحركى، في حين أكد نيكولا ساركوزي في 2012 خلال خطاب له " عدم وجوب أي سبب يمكن أن يبرر تخلي فرنسا عن الحركى". أما فرانسوا هولاند فقد اعترف في 2016 "بمسؤولية فرنسا الرسمية في التخلي عن الحركَى والأعمال الانتقامية التي تعرضوا إليها مباشرة بعد رحيل الجيش الفرنسي من الجزائر".

لكن وراء النقاشات السياسية التي تدور حول مصير الحركى التي تتقلص أعدادهم سنة بعد الأخرى يبقى حلم العودة إلى الجزائر شبه مستحيل.