لا أبالغ إن قلت بأن لدينا بعض المواقع والأماكن في بلادنا، نحتاج فيها بشدة لـ»عاصفة حزم» في الجانب الإداري، تقلب كيان هذه الأماكن التي باتت تدار بأساليب غير متسقة مع مشروعنا الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله، هذا المشروع الذي أساسه عمليات «الإصلاح»، ومحاربة الأخطاء، والضرب بقوة على الفسادين الإداري والمالي، وإحلال الكفاءات وأصحاب المؤهلات في المواقع المؤثرة.

ليست المرة الأولى التي نقول فيها بأننا في حاجة لعاصفة حزم إدارية، تطيح بالمفسدين «إدارياً»، والذين أضروا بأساليبهم الخاطئة قطاعات وبشراً.

وليست المرة الأولى التي نشير فيها إلى تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية، هذه التقارير التي لو تم التعامل معها بـ»جدية أكبر»، ستكون منطلقاً لعمليات الإصلاح الإداري التي تحتاجها بلادنا بقوة.

وليست المرة الأولى التي نقول فيها، بأن من يريد معرفة ما يحصل من «كوارث إدارية» في عديد من قطاعاتنا الرسمية، فإن هذه المسألة لن تعجزه، لأن كثيراً من «المآسي» يتداولها الناس، وتنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولو بحثتم في سجلات المحكمة الإدارية أيضاً، فإنكم ستجدون حالات لشكاوى تستدعي الوقوف عندها، لأن نهايتها ليس فقط بأخذ الحق للموظف إن طاله تعسف إداري أو ظلم أو تجنٍ، يدخل في إطار «الفساد الإداري»، بل المسألة تكشف جانباً أكبر وأخطر، يعبر عنه السؤال التالي: لماذا تحصل هذه التجاوزات الإدارية؟! البعض يقول لي دائماً، أنه لا يجوز الجزم بوجود فساد مالي في القطاعات، لأن هذه بمثابة اتهام للمسؤولين بالسرقة والتطاول الحرام على المال العام، وأنا فوراً أصحح المفهوم لدى هذا البعض، لأنهم يحاولون فصل النوعين، أعني «الفسادين» عن بعضهما، بينما هما أصلاً مرتبطان كـ»توأمين سياميين»، ولا يمكن عزل واحد عن الآخر.

ففي التوضيح لما سبق أعلاه، الجزم بوجود الفساد المالي أمر لا يقرره أفراد هكذا كيفما اتفق، بل تقرره الأجهزة المعنية بالرقابة والمحاسبة ومن بيدها اتخاذ إجراءات قانونية، وتصل في أمور كبيرة حتى لقيادات الحكومة العليا لحقها الأصيل والرئيس في تقرير الإجراءات «الحاسمة» و»الحازمة».

بالتالي مهم القول هنا، بأن الحالات العديدة التي تمر علينا، وما توثق في تقارير الرقابة المالية، ليست بجزم الوصف «فساد مالي» بقدر ما هي حالات «هدر مالي» وسوء إدارة للمال العام، لكن هذا لا يعني بأن هناك حالات فيها تطاول على المال العام، وهنا الأجهزة المعنية مطالبة بكشف هؤلاء ومعاقبتهم، ويفضل أن تفضحوهم على الملأ، ليكونوا أولاً عبرة لمن تسول له نفسه، وثانياً لقناعة راسخة بأن «سارق المال العام، لا يجوز التستر عليه»، لأنك لو فعلت فإنك «تجرم» بحق المواطنين.

لكن عودة لارتباط «الفسادين»، فإن المنطق يكشف لك بأنه لا يمكن أن يكون هناك «فساد مالي» بدون أن يسبقه «فساد إداري». هذه قاعدة ثابتة تذكروها دائماً، لأن المسؤول الحريص على تطبيق الإدارة الصالحة، مستحيل بأي حال من الأحوال أن يسقط في الفساد المالي. وعلى العكس، من يتهاون في عمليات الإدارة ويقبل بظلم البشر، وبالتجاوزات الإدارية لو كانت نتائجها في صالحه، وصالح حاشيته، فإنه سيأتي عليه يوم سيقبل فيه بالفساد المالي بكل سلاسة.

لعلها رحمة نسبية هنا، بأن كثيراً من الحالات التي تنتشر، والتي تتنامى لعلم الكتاب والصحافة، هي مرتبطة بإدارات تمارس الفساد الإداري، رغم أنها نظيفة اليدين من الفساد المالي. ونعم، هذه الحالات أرحم من وجود الفسادين الإداري والمالي مجتمعين، لكنها تتمثل بخطورة من نوع آخر، تكمن في تحطيم بشر، و»بهدلة» قطاعات، وتضييع أهداف الدولة في هذه القطاعات، لأن المسئول يعمل بأسلوب «أنا ربكم الأعلى»، على سياق المنطق «الفرعوني»، بالتالي تجد أشنع أنواع الفساد الإداري متأصل في إدارته وفي قطاعه، أناس يظلمون، كفاءات تحطم، حقوق تسلب، متسلقون ومنافقون مستفيدون، بل تطلق أيادي البطانة المتملقة لتلعب في مقدرات الآخرين، خاصة ممن يفوقون هذه «الجوقة» قدرات ومؤهلات وخبرات.

هناك حالات كثيرة، ومجتمعنا يتحدث عنها، وهناك كفاءات خسرتها قطاعات، بل خسرتها البلد، وهناك حالات مازالت تعاني من الظلم الإداري المتعمد والمقصود، وفي المقابل هناك عشرات الآملين والطامحين لأن تشهد بلادنا عاصفة حزم إدارية قوية، تصحح المسارات، وتزيل غير الأكفاء، وتمنح المسؤوليات لمن يمتكلون القدرة على الإدارة الصالحة الفعالة، والتي لا تقبل بأن يهان موظف، أو تسلب حقوقه، أو تحطم طموحاته وأحلامه.

لدينا قطاعات تسير بشكل رائع، تقودها كفاءات متميزة في الإدارة، لكن لدينا أيضاً قطاعات حان الوقت لإحداث التغيير فيها، فـ»الفتق بات فيها أكبر من الرقع»، وظلم البشر واللعب في مصائرهم بات «هواية مريضة» تمارس كل يوم.