الأصل في الأجهزة التابعة للأمم المتحدة أن تساند بعضها في القرارات الصادرة من الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، وأن تعمل بروح الفريق الواحد حتى لا تكون مشتتة ومتناقضة وعشوائية في قراراتها، وهذا بالضبط ما فعله مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي فشل في اعتماد مشروع قرار موحد بشأن الأوضاع في اليمن، بسبب تقرير المفوض السامي والخبراء التابعين له المعنيين بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.

ذلك التقرير غير الموضوعي والبعيد عن الواقع اليمني، جاء متناقضاً، ومخالفاً وخارقاً لقرار مجلس الأمن -التابع للأمم المتحدة أيضاً- رقم 2216 حول اليمن والصادر في أبريل 2015، ولعل من أوجه التناقض ما يتعلق بالوصف الذي أطلقه التقرير على الميليشيات الحوثية، وهو «سلطات الأمر الواقع»، ووصف رئيس تلك الميليشيات وهو عبدالملك الحوثي باسم «قائد الثورة»، والسؤال هنا، من منح الخبراء الحق في إطلاق مثل تلك المسميات على الميليشيات الحوثية وقائدها؟ ما هي مرجعيتهم؟ أليس من المفترض أن يكون القرار الأممي 2216 هو المرجع؟ فكيف يخالف تقرير المفوض السامي والخبراء التابعين له هذا القرار الذي لم يصف الميليشيات الحوثية أبداً بـ«سلطات» ولا رئيسها بـ«قائد ثورة»؟! وكأن المفوض السامي يريد أن يقر ويعترف بسلطة تلك الميليشيات ويمنحها صبغة شرعية وهم في الأصل والواقع من انقلبت على الشعب والشرعية اليمنية.

هناك تساؤلات للمفوض السامي ومجموعة الخبراء الدوليين، هل يعترف مجلسكم، ويشجع على، ويقف مع أي ميليشيا تنقلب على شرعية بلادها بقوة السلاح؟ فأين مجلسكم هنا من حقوق الإنسان اليمني الذي اختار من يحكمه وهو الرئيس الشرعي المعترف به دولياً عبدربه منصور هادي؟ وليست الميليشيات الحوثية التي أطلقتم عليها «سلطات الأمر الواقع»، ثم أين مجلسكم من حقوق الإنسان في السعودية وهو يرى أكثر من 197 صاروخاً باليستياً تطلقه تلك الميليشيات على مناطق في السعودية ومنها مكة والرياض؟ ألا يعتبر ذلك انتهاكاً لحقوق الإنسان السعودي وسلباً لأمنه؟ خاصة وأن تقريركم لم يتطرق إلى ذلك بصريح العبارة، ولم يتطرق أيضاً إلى زرع تلك الميليشيات للألغام البرية والبحرية المخالفة للقوانين الدولية، فماذا نفهم من كل ذلك؟

إن تقرير المفوض السامي والخبراء الدوليين التابعين له ينسف بالكامل كل الجهود التي قامت بها دول مجلس التعاون الخليجي قبل 6 أعوام تقريباً بشأن مبادرة السلام ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتسريع المفاوضات للتوصل إلى حل توافقي والتنفيذ الكامل للاتفاقات المبرمة والالتزامات التي تم التعهد بها لبلوغ هذا الهدف، والتعجيل بوقف العنف في اليمن، تلك المبادرة التي أثنى عليها مجلس الأمن في قراره رقم 2216 وأكد عليها وطالب بتنفيذها من قبل الميليشيات الحوثية، فكيف بعد ذلك كله توصف تلك الميليشيات بـ«سلطات الأمر الواقع»، وزعيمها بـ«قائد ثورة»؟ وأي ثورة هذه التي تسلب الشرعية التي توافق عليها الشعب اليمني قبل أن ينقلب الحوثي عليها ويستولي على البلاد بالقوة ويقتل اليمنيين ويهجرهم من وطنهم؟

ولماذا تجاهل التقرير الانتهاكات الواسعة التي حصلت عندما اجتاحت ميليشيات الحوثي المدن اليمنية وسيطرت على العاصمة ومؤسسات الدولة وطاردت الرئيس وأعضاء الحكومة، وهذا هو أساس الأزمة اليمنية الحالية، ولماذا تجاهل التقرير كذلك إعاقة ميليشيات الحوثي المسلحة المدعومة من إيران لدخول المساعدات الإنسانية لليمن، واحتجازها لعدد من السفن التي تحمل المساعدات وناقلات النفط، وقيامها بنهب العديد من هذه المساعدات، علماً بأن فريق الخبراء اجتمع مع الجهات المعنية لدى تحالف دعم الشرعية، وتم خلالها الرد على أسئلة واستفسارات فريق الخبراء، وتم تسليمها فيما بعد بشكل رسمي إلى المفوضية السامية، فماذا حدث بشأن تلك الردود، ولماذا لم تورد في تقرير المفوض السامي وخبرائه الدوليين؟

هناك العديد من التناقضات الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها جميعاً بشأن تقرير خبراء يبدو أنهم قد تاهوا في اليمن، فأصدروا تقريراً يخالف قرار مجلس الأمن 2216 وكلاهما تابعان للأمم المتحدة، وعلى المندوب السامي أن يدرك أن مثل هذه التقارير تعطي غطاء للميليشيات الحوثية في استمرار ما تقوم به من قتل ودمار ضد اليمن وشعبه، وإن تلك الميليشيات هي نفسها من جعلت المندوب السامي ينتظر لثلاثة أيام في جنيف قبل بضعة أسابيع من أجل محادثات سلام لم تجر بسبب امتناعها عن الحضور، فهل يرتجى من هذه الميليشيات التي تأتمر بأمر إيران سلام واستقرار لليمن؟!