في المجتمعات الديمقراطية لا تنحصر السلطات في ثلاث ولكن هناك السلطة الرابعة، والكل يعلم ذلك، وإن أول من أطلق صفة السلطة الرابعة على الصحافة هو الإنجليزي أدمونديورك المتوفى عام 1797، عندما اتجه إلى مقاعد الصحافيين في مجلس العموم البريطاني، وهو يقول «أنتم السلطة الرابعة ولكن عندما ينظر الإنسان إلى مقاعد الصحافيين يجد السلطة الرابعة» بما لها من أهمية اقتصادية واجتماعية وسياسية جعلتها جزءاً من الحياة الديمقراطية.

وتأتي أهمية السلطة الرابعة في أنها تعبر عن رأي الجماهير حول قضايا المجتمع ومشكلاته، وما هي إلا تعبير عن معنى سياسي وليس قانونياً أو دستورياً، وتفعيل دور السلطة الرابعة يصب في مصلحة الديمقراطية، وخاصة نحن في عصر تعددت فيه وسائل الاتصال فلم تعد وسائل الإعلام والصحافة هي التي تمثل السلطة الرابعة فقط، إنما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية مثل «فيسبوك» و«واتساب» و«تويتر» والإيميل، ولذا تكون المكاشفة والصراحة ضرورية حتى لا تتسرب الشائعات في المجتمع فلم يعد هناك شيء يخفى عن الجماهير.

إن لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية دوراً مركزياً في الحياة السياسية، حيث أصبحت بمثابة سلطة رابعة تراقب مدى قيام السلطات بواجبها، ومدى احترام السلطات العامة للقانون وحقوق الإنسان، ولا يمكن للإعلام أن يشكل سلطة رابعة إلا في ظل نظام سياسي ديمقراطي يقر بمبدأ الفصل بين السلطات وبسيادة القانون والمؤسسات. وقد أصبح الإعلام وسيلة للمعارضة وفتح النقاش حول القضايا التي تهم الشأن العام. ولهذا يولي رجال السياسة اهتماماً كبيراً لوسائل الإعلام في الدول الديمقراطية، وذلك عبر التعامل بشفافية وبشكل إيجابي مع انتقادات الصحافة، ولذا علينا ألا نترك هذه السلطة الرابعة للمعارضة المغرضة التي لا تريد الخير لنا إنما نجعلها للأقلام الوطنية الشريفة التي تكن الولاء للقيادة والوطن ولا تريد إلا الخير للبحرين، هذه حقيقة مهمة يجب أن نكون على وعي بها.

إن السلطة الرابعة تلعب دوراً مؤثراً، ليس في تعميم المعرفة والتوعية والتنوير فحسب، بل في تشكيل الرأي وتوجيه الرأي العام، والإفصاح عن المعلومات، وخلق القضايا، وتمثيل الحكومة لدى الشعب، وتمثيل الشعب لدى الحكومة، وتمثيل الأمم لدى بعضها البعض. وفي العالم المتقدم تلعب الصحافة والإعلام دوراً هاماً في تشكيل الرأي العام، والتأثير على الكثير من القرارات السياسية. ولقد كانت الصحافة وراء إسقاط عدة حكومات ورؤساء دول. فقضية «ووتر غيت» التي كشف عنها صحافيان بجريدة «واشنطن بوست» الأمريكية، أدت إلى استقالة ريتشارد نيكسون عام 1974، بعد الكشف عن عملية تجسس قام بها بعض المقربين من نيكسون ضد الحزب الديمقراطي. وعلى إثر انفجار مفاعل نووي بمدينة تشرنوبيل بأوكرانيا، وانتشار الإشعاعات النووية في عدة مناطق بأوروبا، حاول الاتحاد السوفيتي إخفاء الحادثة في البداية، تم التقليل من خطورتها. ولم يتم إخبار المواطنين بالأمر. لكن بفعل الصور التي التقطها القمر الصناعي الفرنسي SPOT، والتي تناقلتها كل جرائد العالم، تبين مدى خطورة الحادث، واضطر الاتحاد السوفيتي إلى الإقرار بأن الحادث أكثر خطورة مما كان قد ادعى سابقاً. وقد ساهم هذا الحادث في انطلاق سياسة «البيريسترويكا والغلاسنوت»، «الشفافية» داخل الاتحاد، والتي ساهمت في منح مجموعة من الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، وسمحت بحرية أكبر على مستوى الحق في التعبير والرأي والإعلام.

ويأتي دور السلطة الرابعة بمكوناتها في صناعة الرأي العام الذي هو الفكرة السائدة، بين جمهور من الناس تربطهم مصلحة مشتركة إزاء موقف من المواقف أو مسألة من المسائل العامة التي تثير اهتمامهم أو تتعلق بمصالحهم المشتركة وهذه الظاهرة تكتسب صفة الاستقرار وتختلف في وضوحها ودلالاتها في عقول الأفراد ولكنها تصدر عن اتفاق متبادل بين غالبيتهم مع اختلافهم في مدى إدراكهم لمفهومها ومبلغ تحقيقها لنفعهم العام ومصلحتهم المشتركة. ويُقصد بالرأي العام في هذا المجال الرأي الغالب.

إن السلطة الرابعة وجدت لتكون أقوى من السلطات الثلاث إذا ما أردنا أن نكون مجتمعاً ديمقراطياً يبتغي الرقي بشعبه إلى درجة الشفافية والنزاهة، مجتمعاً خالياً من الفساد والغش إلى حد كبير، يبدع فيه المواطن ويزداد حبه واعتزازه بالوطن الذي ينتمي إليه. فهل يمكن أن تكون الصحافة ووسائل الإعلام لدينا هي سلطة رابعة حقاً؟