بالأمس طرحت تساؤلاً عبر حسابي في موقع التدوين المصغر «تويتر»، مفاده: هل أنت سعيد في عملك أو لا؟! وبغض النظر عن الإجابة، ما هي الأسباب؟!

كانت نتيجة التفاعل ردوداً متباينة، تتضمن أسباباً عديدة، يطول رصدها وتشخيصها، لكن الذي استوقفتني عندها لهنيهة، عدة إجابات متشابهة، كلها تفيد بأن أحد أسباب كراهية الشخص لموقع عمله، أو عدم سعادته فيه، سببها وجود أشخاص معينين، لهم سلوكيات معينة، هم من يحولون حياتك المهنية لجحيم!

هنا لنلاحظ مسألة هامة، تتمثل بأن أصحاب الردود لم يشيروا -في الردود المتشابهة التي أشرت إليها- إلى رأس الهرم الإداري أو المسئول الأول في قطاعاتهم، بل كانوا يعنون شريحة محددة من الموظفين باختلاف مواقعهم، هم بسلوكياتهم وتصرفاتهم يشكلون عوامل طاردة للبشر، وعناصر تسبب للكثيرين الإزعاج والضيق.

في كل موقع عمل ستجد نوعيات مختلفة من البشر، لكن أخطر الأنواع يتركزون في أولئك الذين همهم الأول «حفر الحفر» للآخرين، ومن ينشغل بالناس بدل انشغاله بالعمل، ومن عيونهم مفتوحة على غيرهم، ترصد ما عنده، وتحقد على ما يحققه وما يصل إليه، وفي أضعف الإيمان تحسده على مؤهلاته وقدراته.

بالتالي لديكم أولاً «الحفارون» الذين يمثلون «آفة» حقيقية في مواقع العمل، يمكنهم أن يفعلوا أمورا لا يمكن تخيلها حتى يقطعوا طرق النجاح والتطور على الآخرين، أو يعرقلوا عمليات تطور الغير من خلال تشويه صورتهم المهنية، ويكون ذلك بنسبة خطرة جدا لو كان هؤلاء «الحفارون» قريبون جداً من موقع صناعة القرار في القطاع، أو كانوا ضمن الحاشية المقربة من المسئول الأول.

ثانياً، لديكم نوع ليس بخبث «الحفارين»، لكنه يمتلك خطورة معنوية على الآخرين، بالأخص الكفاءات والمجتهدين في العمل، ومن يسعون للتغيير والتطوير، حتى لو كانت الصعوبات عديدة، والطرق شديدة الوعورة، وهنا أعني نوع «المتحلطمون».

أجزم بأنكم لو بحثتم في كل موقع عمل ستجدون نوعيات من هؤلاء، أشخاص لا يعجبهم العجب، وحتى لو حققتم إنجازات رائعة، هواية هؤلاء تحويل لون الدنيا في عيونكم إلى «لون أسود قاتم»، يعيشون بهدف ممارسة «التنكيد» على الآخرين، يبحثون عن المخلص في عمله ليؤثروا على إخلاصه لواجبه، بقولهم له: «إنك تضيع وقت على لا شيء»، يَرَوْن المتحمس ليسارعوا لإحاطته بإحباطهم له وبتطويقه بسلبيتهم، حتى يقتلوا جذوة الحماس فيه. هذا النوع خطير جداً، لأنك لو أصبحت ضحية لهم، فإن كل طموح لديك سيًُقتل، وكل إبداع لديك سينتهي، وكل دافعية تملكها سيحل بدلها الخمول والكسل، وكل شيء جميل وإيجابي أمامك، سيُصبِح قبيحاً وسلبياً، لأنك ستراه بمنظار أسود.

أما النوع الثالث، فأقرب وصف لهم هو «الطفيليات المؤذية»، وهم من نصفهم بوصف «الحشاشون».

هؤلاء هم من تراهم يتنقلون أسرع من سرعة الضوء بين المكاتب، كما نقول باللغة الدارجة «لا شغلة ولا مشغلة»، يومهم يضيع في «قعدات» لشرب الشاي و«الحش» في الآخرين. يدخلون مكاتبكم بهدف تحويلكم لرقم يتبعهم في حربهم ضد فلان، أو في «حشهم»، و«عقرتهم» بعلان. هؤلاء لا تنخدع بهم، ولا تصدق أنهم مخلصين لك أو يحترمون العلاقة معك، لأن القاعدة تقول: «من يحكي لك عن الآخرين، سيحكي فيك بالضرورة».

وهناك أنواع عديدة، ويطول المجال لسردها، لكن لعلني أوردت أخطر ثلاثة أنواع، بسلوكياتهم وأفعالهم يمكن أن يقلبوا الحياة المهنية للآخرين إلى دمار، أو يمكنهم بكل سهولة «إفساد» الطاقات والإيجابيين والمتحمسين، وتحويلهم لنماذج سيئة مثلهم.

المسئولية في التصدي لهذه الأنواع تقع على عاتق المسئولين وأصاحب القرار الأول في القطاع المعني، بحيث يكتشفون «الحفارين» ويمنعونهم من حفر الحفر للآخرين بالأخص عندهم، وأن يرفضوا الاستماع لهم، لأنهم لن يمدحوا أحدا، بل كلامهم كله ذم وتشويه للآخرين بالأخص بحق الطاقات والكوادر، بموازاة ذلك يحاول هؤلاء المسئولون معالجة أسباب الإحباط عند المحبطين، علها تغير حديثهم ونظرتهم السوداويتان، في حين أن أصحاب «الحش» و«العقرة» و«اللفافون» في المكاتب، هؤلاء يجب تطبيق أغلظ العقوبات التأديبية والإجرائية بحقهم، لأنهم كما السوس الذي ينخر في الجسد، إن تركته ينخر، فإنه سيحكم على الجسد كله بالتعفن!

نقاء الأجواء المهنية يكون حينما نتخلص من «آفات» البشر هؤلاء، ولو حققنا ذلك ستكون خطوة جبارة باتجاه الإصلاح الإداري والمهني، لأن المشاكل في مواقع العمل ليست كلها محصورة في سوء إدارة المسؤول الأول، بل في تشعبات عديدة، قد تكون نوعيات من الموظفين هم أصحاب الرصيد الأكبر فيها.