«أنا قمت فقط بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه في الشوارع».

لي كوان مؤسس سنغافورة

هذه المقولة تقودنا إلى الانتباه إلى أهمية التعليم في أي إصلاح اقتصادي، وتقودنا بالضرورة إلى إعادة تقييم منظومة إصلاح سوق العمل التي وضعنا قواعدها قبل عشر سنوات ثم لأسباب مجهولة تعثرت، وإعادة تقييم مخرجات التعليم قياساً باحتياجات هذا السوق المراد إصلاحه كي ننهض مثلما فعلت سنغافورة وكيف نكتشف أين كان التعثر وكيف نعيد قطار التطوير على السكة الحديد مرة أخرى.

إذ لا يكفي أن أطرح رقماً توظيفياً للبحريني وأفرح أنني وظفت 12 ألف بحريني في القطاع الخاص، لا بد أن أعرف ما هي نوعية الوظائف التي قبلت بالبحريني؟ فإن كان أغلبها يذهب لحراس أمن وبائعي جملة ووظائف متدنية الأجر فهذا يدل على أن مخرجاتي التعليمية لا تواكب احتياجات سوقي، وهذه ليست مسؤولية وزارة العمل.

كما ولا يكفي أن أخلق فرص عمل ذات أجور مجزية في السوق البحرينية، عليّ أن أعرف لماذا لم تكن من نصيب البحريني؟ وهذه ليست مسؤولية مجلس التنمية الاقتصادية.

كنا قد بدأنا رؤيتنا صح، فأحد أعمدة إصلاح سوق العمل إصلاح التعليم، وكنا قد وضعنا المنظومة الإصلاحية للتعليم صح، فجاءت هيئة ضمان جودة التعليم لتضمن مقاييس تحكيم مستقلة وكنا قد أسسنا كلية للمعلمين لنرتقي بالمعلم، ثم حدث شيء ما ترك فراغاً بين الرؤية والتصور الذي كان مطروحاً في بداية الجولات والدراسات التي سبقت تأسيس تلك المؤسسات وبين النتائج المرجوة.

من جانب آخر كان من المفروض أن تسد ثغرات التدريب العملي كلية البولوتكنيك لتلبي احتياجات السوق بمناهج ومقررات مرتبطة بسوقنا، ولكن مرة أخرى تباعدت المسافة بين الرؤية ونتائجها.

جاء التطبيق لهذه الأفكار الجميلة يشوبه الكثير من الثغرات وهذا وارد، وهذا طبيعي، إنما لم نكن نحمل النفس الطويل لإعادة التقييم والمضي قدماً، لتصحيح واستكمال الناقص، كان نفسنا قصيراً فأهملت تلك الأفكار وتركت دون راعٍ يحرسها ويعطيها قوة الدفع من جديد والتي كانت بحاجة لها، فضعفت وتهلهلت وأصبحت بلا أسنان.

هناك جهود تقوم بها وزارة التربية والتعليم بلا شك ولكن على المراقب أن يربط تلك الجهود بوضع السوق بشكل خاص وبوضع الاقتصاد بشكل عام، فإن لم تكن تلك الجهود قيمة مضافة لاحتياجات السوق فإن جهودي وسياستي التعليمية بحاجة لإعادة تقييم، وهذا أمر طبيعي أيضاً.

تابعوا عملية تطوير التعليم التي تجري الآن في المملكة العربية السعودية وفي مصر، عملية قد سبقتها استعدادات تشبه إلى حد كبير ما اتبعناه في البحرين عام 2005 من جولات للاطلاع على أحدث الطرق والمناهج واختيار الأفضل وتوقيع الاتفاقات مع مؤسسات تعليمية أيرلندية ويابانية وإسكتلندية، وهذا ما فعلناه من بعد طرح رؤية 2030.

والمطروح في مصر والسعودية عملية تطوير جذرية أساسية على التعليم وتعد في قياس المؤشرات كنوعية وكسرعة «ثورة بيضاء» في المناهج والكتاب المدرسي والوسائط التعليمية وفي السياسة التعليمية بشكل عام، نتمنى لهم النجاح وألا يمروا بعثراتنا، إنما نتمنى أن نتعلم منهم، ونعيد النظر في عثراتنا لننهض من جديد، فدون ثورة تعليمية تلحقنا بمستجدات العصر فإن إصلاح اقتصادنا سيظل إصلاحاً أعوج لن يستقيم.