كيف نريد للبلد أن يتطور، وأن يخرج من صلبه جيل واع يمكنه أن يكون امتداداً للأجيال التي سبقته، خاصة من عملت واجتهدت وعمرت وبنت، في وقت هناك من يعمل جاهداً لـ«غسل أدمغة» هذا الجيل، ليحوله إلى جيش وكتائب وميليشيات تنفذ مخططاته وأهدافه، وتضحي من أجله؟!

كيف يمكن لهذه البلد أن يتعافى، وهناك من يستميت في عملية زراعة قناعاته في عقول الشباب بحيث يتأكد أن أجندته سيكون لها امتداد زمني في المستقبل، وعلى رأسها إقناع هذا الجيل بأن قضيته الأولى والأخيرة التي يجب أن «يمحور» حياته حولها متمثلة بـ«النضال ضد النظام»!

هذا النضال الذي يتحدثون عنه، ويصورونه على أنه قضية الشباب الأولى، والتي دونها ترخص دماؤهم –أي الشباب- وليسوا هم، إذ هم فقط أبطال في الكلام و«الشو» الإعلامي، نضال نتيجته النهائية معروفة تتمثل بضياع مستقبل هؤلاء الشباب عبر تحويلهم لأداة تخريب لهذا الوطن، في حين رؤوس الفتنة ومصادر تحريكها قابعون في بيوتهم ينتظرون نتائج ما صنعته خطاباتهم وتحريضهم.

من حقنا أن نخاف على البلد، ومن حقنا أن نحذر من قادم أسوأ، إن تم إرخاء الخيط لمن استسهل عملية التخوين والتسقيط بحق القانون، ولمن بات يمارس سراً وعلانية عملية تدريس موجات الكراهية والحقد لهذا الجيل، ولمن يدفعهم دفعاً للشوارع لحرق البلد.

لكن بالنسبة لهذه الفئة من الشباب، ولهذا المجموعات من هذا الجيل، فإنه من المؤسف أن يتحول الإنسان ليلعب دوراً مماثلاً لما تكون عليه «القطعان» التي تتبع شخوصاً تحولهم لآلهة لها قداستها، بدلاً من إعمال العقل وتغليب الإرادة.

مخجل أن يتحول من يدعي امتلاكه العقل والإرادة ويصبح تابعاً وعبداً لآراء وأوامر شخوص تلعب دور «الراعي» الذي يحدد مسار سير «القطيع» دون أي اعتراض أو مساءلة، والذي حتى لو دعاهم للسقوط من علو شاهق لأزهقت أرواحهم لأنه فقط يقول ويأمر.

أين التفكير، أين المنطق، أين الحرية المزعومة؟! لا يمكن أن تصدق شخصاً يدعي أنه يناضل من أجل الحرية بينما لا يمتلك حريته الشخصية في القول والفعل إلا التي يأمره بها من يقوده من ناصيته.

حين نصل لمرحلة نقدس فيها الأشخاص، فإننا نرتكب أكبر جريمة بحق أنفسنا، نتطاول حتى على خالقنا الذين خلقنا أحراراً غير عبيد إلا لذاته، حينما نقبل بأن نكون مسيرين لا مخيرين، ألعاباً في يد بعض من استغل موقعه ليتحول بمثابة «الرب» لهؤلاء، حينما تراهم في أفعالهم وأقوالهم تجاهه يصلون لمرحلة يقدسون فيها حتى التراب الذي يمشي عليه، ويحيطونه بهالة قدسية وكأنه معبود لا مشكلة لو تم السجود له.

كارثة حينما يحمل الإنسان في رأسه عقلاً لكنه يؤثر تعطيله وعدم تشغيله، ويقدمه هدية على طبق من ذهب لبشريين يلعبون به كيفما يشاؤون.

يصلون لمرحلة من التقديس والتبعية العمياء حتى تخالهم يعبدون هؤلاء البشر، يذكرونك بزمن العبودية والتذلل للشخوص، والمفارقة أنهم يدعون بعدها النضال من أجل الحرية!

لم يسلبكم النظام أو الدولة حريتكم، من سلبها منكم هو من حولكم إلى عبيد وأتباع يتعامل معكم بسياسة «القطيع» الذي يمكن التضحية بهم دون أن يطرف له رمش.

قليلاً من العقل يا أصحاب العقول!