عماد المختار

تطفو مشكلة المباني المتهالكة المؤجرة للعمال الآسيويين على سطح الأحداث، بعد حادثة انهيار مبنى "السلمانية"، وهي فاجعة ليست الأولى من نوعها، ولكن وقعها كان كالصاعقة على الجميع، وأثارت مجددا الكثير من التساؤلات بعدما تأكد أمران الأول أن المبنى متهالك ومتداع للتهاوي وغير مسجل ضمن البيوت الآيلة للسقوط، والثاني وجود 40 أسطوانة غاز بتمامها وكمالها، وهو عدد يفوق القدرة الاستيعابية لمساحة المبنى.

فهل تدفع حادثة انهيار مبنى "السلمانية" نحو النظر العميق في مشكلة المباني المتهالكة المؤجرة للعمال الآسيويين وإيجاد حلول ناجعة تمنع حدوث الكارثة، إذ العاقل من توقع البلاء قبل وقوعه؟



مبان متهالكة وحوادث مفجعة

بات عدد المساكن الآيلة المؤجرة على العمالة الآسيوية، يثير المخاوف وينذر بمخاطر في الطريق إن لم يتم تعزيز الرقابة على البيوت المؤجرة وعلى ساكنيها من العمالة الأجنبية بتلك الأعداد الهائلة المتكدسة في غرف شديدة الاكتظاظ بالبشر وأغراضهم الشخصية وأغراض الشغل أيضا، وهي غرف تفتقر لأدنى شروط السلامة، وتمثل قنابل موقوتة بأوبئتها التي تهدد النظام الصحي للمجتمع البحريني. فحينما يعلن عضو أمانة العاصمة مجدي النشيط أن "العاصمة بجميع ضواحيها تضم أكثر من 100 مبنى متهالك يتم تأجيرها لعشرات العمال في بيئة غير صالحة للعيش"، ويؤكد "أن وجود 40 مبنى متهالكة في منطقة النعيم لوحدها يشكل خطرا كبيرا ليس فقط للعمال من ساكني المباني، بل حتى للمارة من العوام ومن المجاورين" تصبح علامات تنذر بكوارث أخرى قادمة لا قدر الله، ويدفع للتساؤل لا عن المسؤولية القانونية ولا عن لوم جهة دون، بل عن الوقاية قبل وقوع الفأس في الرأس وتذهب الضحايا البشرية والخسائر المادية في خبر كان.

يذكر أن عدم توفر الاشتراطات اللازمة للسلامة أدى إلى حوادث مفجعة، في صفوف عمالة معظمها يقبل بالعيش في سكن غير مهيأ، وأغلبها العمالة غير النظامية، التي تقبل العمل بأي أعمال بسيطة، تساعدها على الالتقاء بلقمة العيش. ففي 2013 وقعت حادثة أودت بحياة 13 عاملاً آسيوياً، محترقين في سكنهم العمالي بمدينة المنامة. وفي 2012، 4 عمال توفوا اختناقاً بغاز أول أوكسيد الكربون السام بمنطقة سوق واقف، ومصرع 3 عمال آسيويين من بينهم شقيقان في حريق اندلع بشكل مفاجئ بمسكن للعمال بمنطقة جدحفص، وكانت الفاجعة الكبرى بوفاة 16 عاملا هنديا قضوا معظمهم اختناقا أثناء نومهم فيما تمكن أكثر من 200 عامل آخر من النجاة بعيد اكتشاف الحريق، حيث أصيب بعضهم جراء القفز من النوافذ في حريق 2006.

إنفاذ القانون

وحتى لا تتكرر مثل هذه الفاجعات على جميع الأطراف المعنية أن تتحرك إنفاذا للاشتراطات الأمنية قبل أن تتفاقم الأزمة وتقع الكارثة، لاسيما أن القرار رقم «35» لسنة 2015 قد عالج المشكلة المتعلقة بتحسين ظروف السكن للعمال، وذلك من خلال إلزام مالك العقار بتوفير الاشتراطات الصحية واشتراطات الأمن والسلامة طبقاً للقوانين والقرارات المعمول بها، بحيث تخصص مساحة لا تقل عن «40» قدماً مربعاً لكل عامل، وألا يقل ارتفاع الغرفة عن عشرة أقدام، وألا تستخدم الغرفة الواحدة لنوم أكثر من ثمانية أشخاص، وألزم مالك العقار بإخطار البلدية المختصة خلال 30 يوماً من توقيع العقد، كما ألزم جميع ملاك العقارات بتوفيق أوضاعهم وفق الشروط أعلاه خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به في «25 أبريل 2015م». إضافة إلى أن المادة «11» من قانون العمل في القطاع الأهلي رقم «36» لسنة 2012 قد ألزمت صاحب العمل الذي يستخدم عمالاً في المناطق البعيدة عن العمران بأن يوفر لهم المساكن الملائمة.

إن المخرج والحل الناجع لهذه المشكلة يكون بتفعيل القرار الوزاري رقم (8) لسنة 1978 بتحديد الاشتراطات والمواصفات الصحية لمساكن العمال الذي يعتبر الأساس القانوني لسكن العمال في مملكة البحرين. فمشكلة سكن العمال الآسيويين قبل أن تكون مسؤولية قانونية، على المخالفين لاشتراطات السلامة، هي مشكلة ثقافة مجتمعية تتجاهل فيها الأطرف المعنية -كعمال مستأجرين وكأرباب مؤجرين - الاشتراطات الأمنية اللازمة قانونيا وإنسانيا، فهل يعقل أن يقتسم الواحد العيش مع أكثر من 200 شخص آخر في منزل آيل للسقوط، أو منزل قديم، تكتظ فيه الأرواح البشرية، ويتم فيها غض الطرف عن السلبيات الكثيرة ولا يتم الالتزام بإعلام الجهات المعنية عن أماكن ومساكن عمالهم؟