في عام 2008، حينما كنت مستشاراً للإعلام والتخطيط الاستراتيجي بوزارة شؤون مجلس الوزراء، كانت هناك تصريحات رسمية صدرت معنية بترشيد الإنفاق، وخفض المصروفات، ومعالجة التضخم في مؤسسات القطاع العام، وأذكر أن أحد الشعارات التي حملتها التصريحات تلك المعنية بوضع هدف يجب العمل للوصول إليه، متمثل بأن تكون لدينا حكومة «صغيرة ورشيقة».

طبعاً أعقبت هذه التصريحات، تصريحات أخرى، ومقاربات تسعى لتعديل الهيكل الإداري للحكومة، من خلال دمج وزارات أو هيئات وغيرها، إلا أننا اليوم مازلنا لم نصل لهذا الهدف، وذلك لاعتبارات عديدة، على رأسها الاحتياجات المهنية والعملية للقطاعات الحكومية بالنظر إلى تخصصاتها.

اليوم في ظل التوجه لتطبيق برنامج «التوازن المالي»، وذلك عبر المبادرات الست التي طرحت، نجد أن الأهداف تتركز على عدة جوانب، أهمها التالي:

* خفض المصروفات، وضبط النفقات.

* التشديد على عمليات الرقابة الإدارية والمالية.

* تركيز العمليات في نقاط مركزية، خاصة المرتبطة بالموارد المالية والبشرية.

* معالجة التضخم في أعداد المنضوين لمظلة الخدمة المدنية.

* سد العجوزات المالية، والوصول لنقطة تحقيق فوائض مالية تعود بالنفع على البلد وأهله.

وعليه، فإن الفكرة واضحة، وتشير بوادرها إلى إمكانية الوصول لقدرة تتمكن فيها الدولة من تقليص عدد أجهزتها الحكومية، بحيث يكون هناك تركيز أكثر على العمل والخدمات دون تشعبات أو تداخلات، إضافة لتخفيض المصروفات المعنية بالتشغيل.

لعل أحد أبرز الحلول التي ستساعد على القيام بذلك تتمثل بطرح مبادرة «التقاعد الاختياري»، والذي يبدو من مؤشراته الأولى أنه يلقى إقبالاً كبيراً من موظفي الخدمة المدنية ممن لا يقعون ضمن الوظائف العليا التي تحتاج لقوانين أو مراسيم، وهو رقم كشف عنه رئيس ديوان الخدمة المدنية، إذ الذين يمكنهم التقديم على برنامج التقاعد الاختياري يصلون لسقف 42 ألف موظف، وهو عدد كبير جداً، إذ ما وضعنا في الاعتبار بأن مجموع عدد الوظائف التي تقع تحت مظلة الخدمة المدنية يصل لقرابة 52 ألفاً.

طبعاً، من غير المعقول خروج قرابة 90٪ من موظفي الخدمة المدنية ضمن برنامج التقاعد الاختياري، لأن النظام الإداري لن يسمح بذلك تجنباً لأي اختلال في توازنات العمل في القطاعات، لكن الشاهد فيما نقول، أن الرقم ضخم وكبير، ولو تقدم لطلب هذا التقاعد نصف العدد أو حتى ثلثه، فإنك اليوم أمام فتح باب كبير للشواغر البديلة، وهنا تكون الفرصة مناسبة لتطبيق عمليات الدمج والتقليص في عدد القطاعات ودمج بعض الهيئات معها.

هذه الأرضية قد تمهد لنا الوصول لعدد منطقي ومعقول فيه نسبة وتناسب مع مساحة البحرين واحتياجاتها، يمكن أن يتقلص عدد الوزارات، وكذلك الهيئات، وبالتالي يتقلص عدد كبار المسؤولين، وتتركز الخدمات والعمليات في قطاعات قليلة بالمقارنة مع الوضع الحالي.

هذه قراءتي الشخصية للمعطيات، وقد أكون مخطئاً، وأن التفكير ليس مرتكزاً على تقليص عدد الجهات، بقدر ما هو تخفيف مصروفات الباب الأول من الموازنة العامة، وبموازاة ذلك منح المواطن خيارات للاستمرار في العمل، أو الإقدام على التقاعد الاختياري ودفعه لخوض مجال الاستثمار والتجارة الخاصة، أو العمل في القطاع الخاص. لكن مربط الفرس هنا يأخذنا بالضرورة للحديث عن شكل أجهزتنا الرسمية وهل هي متضخمة وتحتاج إلى معالجات وعمليات دمج، وهي سياسات سمعنا تصريحات متفرقة على امتدادات زمنية متعددة سابقاً، ويتضح بأنها طموح وهدف من الأهداف التي يسعى لتحقيقها.

* اتجاه معاكس:

في عدد يوم الجمعة بتاريخ 18 سبتمبر 2015، نشرت صحيفة الأيام خبراً كالتالي: «علمت الأيام أن الحكومة المصغرة ستعنى بشكل أساسي بالتعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها المملكة بعد تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى مستويات قياسية. ومن المتوقع أن لا يزيد عدد الوزراء في الحكومة المصغرة عن 14 وزيراً، حيث سيتم دمج بعض الوزارات، لتقليص المصروفات والحد من تضخم الجهاز الحكومي. ومن المأمول أن تركز الحكومة المصغرة جهودها على ترشيد النفقات وزيادة الإيرادات الحكومية مع الحفاظ على زخم مشروعات تطوير البنى التحتية».