كيف نسمح لمن تسبب في مقتل الملايين من عالمنا العربي على مدار عقود طويلة كهذه الدول الغربية بدءاً من جرائم استعمارهم لنا منذ القرن الماضي، بلوغاً إلى احتلالنا في العقد الماضي في العراق، مروراً على تبنيهم مسؤولية دمارنا فيما سموه هم ربيعنا العربي وما خلفته تلك السياسات الإجرامية من ضحايا على مر التاريخ، كيف نسمح لهم بابتزازنا وإعطائنا دروساً في الأخلاق وحقوق الإنسان وبتهديدنا بالعقوبات والمقاطعات؟

كيف نسمح لمن ارتكب جريمة سجن أبوغريب أن يعلمنا الإنسانية واحترامها والمجندة ليندي إنجلاند محمية ومحصنة وأطلق سراحها ولا يمسها القانون حتى بعد ثبات ضلوعها صوتاً وصورةً بتلك الجرائم البشعة؟ بل برروا إطلاق سراحها بأنها فعلت ما فعلته لأهداف وغاية حماية الأمن القومي الأمريكي.

كيف نسمح لمن يرتكب الجرائم العنصرية البشعة بحق السود بحق الهنود الحمر والتي لم تنجح كل القوانين المدنية في مسحها من عقليته، أن يعلمنا معنى الإنسانية؟

كيف نسمح لمن اعترف بأنه ضلل العالم بمعلومات خاطئة كي يبرر احتلاله لدولنا حين أراد احتلال العراق وفي سبيل تحقيق أهدافه قتل وشرّد وهجر الملايين من البشر دون أن يرف له جفن، كيف نسمح له بتعليمنا معاني الأخلاق واحترام حقوق الإنسان؟

لا ندين لأحد ولا لأحد حق علينا، هكذا يجب أن نتعامل مع هذه الضغوط مدفوعة الثمن التي تدعي أنها من أجل الإنسانية ومن أجل الحرية تسأل عن مصير أحد الصحافيين؟

عشرات الصحافيين يغتالون ولا يلتفتون لهم وتصم آذانهم عن أخبارهم؟ هل تريدوننا أن نصدق بأن هذا الاهتمام من أجل صحافي -مع احترامي لإنسانيته ودعائي بسلامته- فأنا لا أبرر تعرضه لأي ضرر، إنما أبحث في نقطة تلك الادعاءات الزائفة بالشعور الإنساني وبأن تلك التهديدات سببها شعورهم المرهف وإنسانيتهم العالية وأخلاقهم الرفيعة.

روسيا دخلت لعقر دار بريطانيا وقتلت سكربيل واستجابت الحكومة البريطانية لضغوط المعارضة وطردت 23 دبلوماسياً روسياً اعتراضاً، في حين الخط الدبلوماسي مازال مفتوحاً بينهما وستعود الأمور لسابق عهدها فالمصالح تتغلب في النهاية، وإسرائيل أرسلت الموساد وخطفت آخر مساعدي هتلر أودلف أيخمان 1960 من الأرجنتين، خدرته وجلبته في طائرة الخطوط الإسرائيلية العال لإسرائيل، وحاكمته وشنقته عندها، وهاجت وماجت الأرجنتين والعالم المتحضر، ثم عادت الأمور لطبيعتها، مرة أخرى هذا ليس إقراراً ولا تبريراً لا ضرراً قد يكون قد وقع على خاشقجي، إنما للتركيز على حوادث مماثلة جرت ومرت، وهذا «العالم» الذي يدعي أن اهتمامه بهذا الحادث راجع لأسباب إنسانية في النهاية يقف مع من صمد ويغلب مصالحه الذاتية.

أذكر عام 2011 كيف استجبنا لضغوط دولية وضعتنا في موضع الدفاع والتبرير وقد كنا نمارس حقنا المشروع بالدفاع عن أنفسنا لنحفظ أمننا، قبلنا بتشكيل لجنة تقصي الحقائق الدولية ونالت الرضا والتصفيق من قبل هذا المجتمع الدولي «الإنساني» منحناها كل الثقة وفتحنا لها الأبواب من أجل إثبات حسن النوايا وكانت النتيجة أننا اكتشفنا لاحقاً اختراق اللجنة وتوجيه بعض أعضائها من قبل مسؤولين في الخارجية الأمريكية!!

حيث أظهرت وثائق ويكليكس تدخل فريق كلينتون في عمل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق التي أنشئت بأمر ملكي في 29 يونيو 2011، للتحقيق في الأحداث التي شهدتها البلاد من فبراير وحتى مارس 2011، لهذه الأسباب وللعديد غيرها لا يجب أن يعطي أحد الحق في محاسبتنا غير ضميرنا، وقانوننا.

فارفع رأسك أيها السعودي فنحن وإياك نخوض حرباً، نعم حرب، ونتعرض لحملة ابتزاز للنيل منا بتنازلات مالية وسياسية، وقطر ضالعة في هذه الحرب حتى النخاع. ويراد منا أن نرتبك ونضطرب ونشعر بالذنب ونلوم أنفسنا ونخضع لهم، يراد لنا أن ننحني ونستمع لتقريع آخر من له حق أن يتكلم عن الحقوق والإنسانية ليعطينا دروساً لم يطبقها، ارفع رأسك فهم آخر من له حق الوعظ.