فستان أبيض طويل، وأضواء قاعة الأفراح التي تسلط على العروس، ومهر، وهدايا ورحلة العمر التي ترى فيها جمال العالم «شهر العسل»، وفخر واعتزاز أمام الصديقات هو حلم كل فتاة، وهو حلم كل أم لابنتها، ابنتي هذا الحلم الجميل سرعان ما ستستيقظين منه لتواجهي واقعاً.. فتثقل كاهلك المسؤوليات، وتصارعي أمواج وتيارات، فلا تتخلي عن طوق النجاة الذي يعينك على مقاومة تلك التيارات، لا تتخلي عن الشهادة الجامعية، لا تتنازلي عن طوق النجاة في سبيل تحقيق حلم وردي سرعان ما ستستيقظين منه. حبيبتي قد لا يجد هذا الكلام وقعاً في نفسك لكنني أقوله من وحي قصة أضحكتني وأبكتني، قصة سوسنة جميلة صغيرة، هي بنت ذكية مجتهدة حلمها: «الدراسة والعمل»، وفجأة لاحت في الأفق يد تلوح لها برايات السعادة، مهر كبير تفخر به أمام صديقاتها، وحفلة فخمة في أكبر الفنادق وهدايا غمرت جسدها الصغير وعطر وبخور حجب عنها رؤية حلمها القديم: «دراسة، وعمل» عاشت تلك السوسنة أجمل أيام العمر، سعادة وهناء، وتسوق في أفخم أسواق العالم، وشنطة السفر التي عادت بها مليئة بمشتريات تحمل علامات ماركات عالمية، غرقت في ذلك الحلم الوردي حتى نسيت حلمها القديم «دراسة، وعمل»، غرقت في جب عميق لا قرار له فلقد بات بين يديها طفل جميل ترعاه وتسعد بعذوبة طفولته، وتلاحق ابتسامته كي لا تغيب عن ناظريها، وفجأة غابت ابتسامة تلك السوسنة الجميلة الصغيرة، وسط دموعها المنهمرة فهي تواجه مشاكل زوجية أذبلت فرحتها، أمواج عارمة لا تعرف كيف تواجهها، غضب وصراخ وقسوة لا تعرف سببها من ذلك الزوج الذي منحها حلمها الوردي، زوج أهملها وأهمل ابتسامة صغيرها، باتت تستجدي ابتسامته، تستجدي اهتمامه، وتحُمله لمسؤولية أسرتهما الصغيرة، وجدت نفسها أمام أكبر المشاكل الزوجية إنها الخيانة تلك السوسنة ضاع عطرها وذبلت أمام حقيقة أدركتها في وقت متأخر، زوجها مشغول بمغامرات غرامية.

هنا كانت الصفعة التي جعلتها تستيقظ من ذلك الحلم الجميل القصير، لتتذكر حلمها القديم «شهادة، وعمل»، وتذكرت دموع أمها ونظراتها الحزينة وتنهدات الهم التي تكاد تفلق صدرها، فكم توسلت سوسنتها لأن تؤجل حلمها الوردي، وتتمسك بحلمها الكبير «شهادة، وعمل» وأن تستغل فرصة وجودها في كنف والديها وحنانهما لتكافح من أجل ذلك الحلم، تذكرت يوم أن احتضنها أبوها بحنان هامساً: سوسنتي صغيرتي: لا تفرطي في حلمك الكبير، تمسكي به لتواجهي غدر الزمان.

ها هي اليوم تواجه غدر الزمان عزلاء بلا طوق نجاة فلم تقوَ تلك الصغيرة على مواجهة تلك العواصف والمشاكل الأسرية لتعود لحضن والديها وبين ذراعيها طفل صغير يشاطرها الهم wوالحزن، تجرعت مع والديها كأس الندم، فها هي مع والديها يصارعون لعودة طفلها لحضنها، وها هو والدها يودعها الوداع الأبدي حسرة على فراق صغيرته بكلمة طالما عشقتها إنها كلمة سوسنتي، مضت أيام من شبابها تقف على أبواب مكاتب المحامين، وتجلس على مقعد المحاكم أمام القضاة لتتمسك بحضانة ابنها، وتحرقها نبرة الحنان والشفقة في صوت القاضي لصغر سنها. تلك السوسنة الجميلة الصغيرة حولها الهم والحزن لموج غاضب، استقبلت صديقات الدراسة في زيارة أخوية لمواساتها، فإذا بهن يتقلدن مرح الشباب وحيويته وحماسة، ويتحدثن عن آمال وطموحات عريضة، ويفخرن بإنجازات حققنها في أروقة الجامعة.

تألمت.. لكنها تعلمت درساً لن تنساه وهو أن تستفيد من خبرة والديها فلا تتجاهل نصحهما، وأصرت أن تتمسك بحلمها القديم وتحيله إلى واقع، حصلت على وظيفة، تميزت في عملها، وها هي اليوم على مقعد الدراسِة الجامعية فهي اليوم، أم، وموظفة، وطالبة، لم تعد سوسنة ضعيفة بل هي اليوم طود قوي شامخ يكافح ويتحدى فهي اليوم تربي ابنها في حضنها ليسير على نهج والدها، هي اليوم تصارع لتتمسك بحلمها القديم وتصنع قصة نجاح وتميز وتفوق.

ابنتي من وحي هذه القصة استلهمي دروساً وعبر كوني قوية بطموحك واجتهادك فالسعادة الحقيقية تكمن في النجاح والإنجاز وتمسكي بعملك وتميزي فيه فمنه تستمدين قوتك، لتكوني خير سند لأسرتك.

ابنتي: حققي حلمك الوردي في الوقت المناسب ليدوم لك وتلبسي ثوب الهناء. فبناء الأسرة يحتاج لإمكانيات وخبرات تعينك على بناء عشك الجميل والحفاظ عليه.

ابنتي: بين يديك نعمة كبيرة وهي نصائح والديك فإن لم تدركي قيمتها فاسألي صديقتك اليتيمة التي فقدت والديها وهي تتوق وتتعطش لنصائحهما. فاظفري بهذه النعمة.

وأخيراً رسالة إلى كل أم وأب.. عليكم أن تعرفوا كيف تقولون كلمة «لا» لأبنائكم وأن تتمسكوا بهم فكم أنقذت كلمة «لا» أبناء من الوقوع في الهاوية.