يأتي مهرجان البحرين الدولي للموسيقى 27 متزامناً هذا العام مع احتفالات هيئة البحرين للثقافة والآثار بمدينة المحرق كعاصمة للثقافة الإسلامية 2018.. وأن يمر على هذا المهرجان أكثر من ربع قرن من الزمان وهو بهذا الزخم والتنوع الثقافي.. ما هو إلا دليل على أن مملكة البحرين بلد التعايش والسلام والفن والجمال.

هذه الأعمال الفنية التي احتوى عليها برنامج المهرجان والتي تجمع بين مبدعين موسيقيين وسفراء للثقافة والفكر والشعر جاؤوا بمشاركاتهم وفنونهم المختلفة ليحدث بينهم التناغم الحواري الفني.. وليسلطوا الضوء على أن مملكة البحرين ستظل وجهة سياحية ثقافية فكرية.. مشاركات مختلفة، فيها الفن البحريني الأصيل.. وفنون أخرى من الوطن العربي والعالم الغربي.. لتتآلف وتتكاتف تلك الثقافات الموسيقية المتنوعة في نشر رسائل الحب والفرح.

جاءت افتتاحية المهرجان الموسيقي بليلة طرب بغدادية، بمقامات عراقية، ليصدح صوت الدكتور الفنان حسين الأعظمي مع فرقته الموسيقية على مسرح البحرين الوطني.. هذا الفن العراقي العريق الذي حرّك الكثير الكثير مما في داخل قلوبنا.. فمنذ أن صعدت الفرقة الموسيقية على خشبة المسرح بالزي العراقي وبالسدارة الفيصلية المميزة.. فكأنهم يوجهون رسالة شفافة للجمهور بأن العراق موجود في قلب كل عربي. وهل منا من ينكر بلد الحضارات.. بلد العلم.. بلد الفن.. بلد أفضل الشعراء، وأشهر الرسامين والنحاتين في العالم العربيّ.. بل إن البعض منهم معروفون على المستوى العالمي.. بلد العمار الهندسي والسجاد اليدوي.. بلد التراث الفني العظيم!!

أطربنا الأعظمي وفرقته بفن المقامات العراقية.. حيث غنّوا مقام البنجكاة مع أغاني تراثية.. ومقام الدشت ومقام الحويزاوي.. ومقام النهاوند ومقام الجمّال.. وموشحات رائعة مثل «يا من لعبت به الشمول».. وأغاني أخرى لامست قلوبنا ورجعت بنا إلى زمن الطرب الأصيل كـ «فراقها بجاني» و«الليلة حلوة وجميلة» و«داري» و«وفوق النخل».

آلات عزفت بصوت العراق الجميل.. آلة الجوزة، السنطور، العود، الكمان، القانون، الناي، الطبلة، النقارة، الطبل والخشبة، الرق والمزهر.. كل هذه الآلات العربية التي عزفت كانت تسرد علينا بعزفها الرائع قصة العراق.. وماضي العراق الفني الأصيل.. الذي سيبقى ولن يتجزأ عن هويتنا العربية أبداً.

حفلة رائعة بجمهور متفاعل كان يصفق ويقول الله الله.. وكانت الذكريات تعود به إلى أول زيارة له للعراق.. أو أيّام دراسته هناك عندما كان يتناول وجبة غداء في بيت صديق عراقي.. مائدة من الكرم.. فيها الدولمة العراقية أو المسكوف.. أو فنجان شاي عراقي يرشفه مع حلوى المنّ والسلوى «منّ السما».. أم عندما كان يتجول يوم الجمعة بشارع المتنبي ليقتني كتبه ومجلاته.. أم حفلة كان يحضرها ببغداد الجمال وهو يسمع ناظم الغزالي. كان العراق وطن المحبة وأرض السلام.. بلد الحضارة والتاريخ الضارب في الزمن.. بلد الثقافة والفن الأصيل.. بلد يتكئ على مجد بلغ أوج عزّه وقوته في ظل الحضارة الإسلامية.. وكم كنت أتحسر دائماً على أنني لم تتح لي الفرصة لزيارة العراق.. ولكن ما يجدد الأمل داخلي أنك يا عراق ستعود يوماً إلى عزّك القديم.. وإلى مجدك المضيء.. وسيأتي اليوم القريب الذي أزورك فيه.