* أعجبني المسمى الجميل الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على كبار السن بتسميتهم «كبار المواطنين» تقديراً لعطائهم الطويل في خدمة الوطن والمواطنين، ولخبرتهم الطويلة وكدهم وتعبهم في سبيل تنشئة الأجيال على معاني الخير، وتعبيراً عن مشاعر الود والوئام التي يتبادلها المجتمع معهم. جميل أن نغير من هوية بعض المسميات والثقافات والمشروعات بما يتناسب وروح العصر، بأسلوب مبدع يراعي إنسانية أفراد المجتمع. في مقالات سابقة اقترحت بإنشاء «بيت الخبرة» الذي يضم «كبار المواطنين» من مختلف التخصصات في ميدان واحد يجمعهم، بحيث تركز مهام عمله على تقديم الخبرات من كبار المواطنين لمختلف وزارات الدولة، وتنظيم البرامج التواصلية التخصصية للناشئة والشباب والموظفين للارتقاء بمهاراتهم ودمج ما تعلموه مع خبرات ونضج السنين، وتخصيص ساعات «خبرة حياة لكبار المواطنين» يدرسونها في مدارسنا. فضلاً عن إتاحة الفرصة لممارسة هواياتهم والتنفيس عنهم. يجب أن نقدر «كبار المواطنين» كما قدروا فلذات أكبادهم في حال الصغر، وأحبوا وطنهم وخدموه بعرق جبينهم.. فكل متقاعد صاحب خبرة يجب أن يكون له المأوى المناسب لاحتضانه.

* ورد في كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «تأملات في السعادة والإيجابية» بأن سموه قد اعتمد نظاماً لتصنيف مراكز الخدمة الحكومية بتصنيف النجوم المطبق في الفنادق، وعند كل مركز يتم وضع لوحة عليها تصنيف من نجمتين وحتى سبع نجوم تبين جودة الخدمات في هذا المركز، وقبل وضع اللوحة سيتم تقييم جميع المراكز وفق مجموعة من المعايير المطبقة في القطاع الخاص، وأحد المعايير الأساسية هو ابتسامة الموظفين. وبعد بدء المشروع اتضح أن جميع المراكز تتنافس فيما بينها لرفع تصنيفها والحصول على لوحة الخمس نجوم عبر تقديم خدمات أفضل وأسرع وأسهل لمتعامليها. نحتاج مثل هذه الأفكار الإبداعية في الارتقاء بمراكز خدمات العملاء في مختلف الهيئات التي تقدم خدمات للمواطنين. قد تنبهر في بعض الأماكن بالأسلوب الراقي والابتسامة الخلابة لموظفي خدمات العملاء حتى إنك تشعر أنك تعرفه منذ أمد بعيد.. في المقابل تنزعج في بعض الأماكن، حيث تنتظر كرم الموظف حتى يناديك أو أن يكون غائباً عن مكتبه.. فضلاً عن وجهه المقطب وكأنك قد أخطأت في حقه.. نحتاج إلى أناس يقدرون الإنسانية ويخلصون في عملهم، ويعرفون أنهم قد يواجهون نفس المشكلة في يوم ما!!

* في ذلك «الدكان» الصغير في أحد أحياء المحرق العريقة، كانوا يتجاذبون أطراف أحاديث الحياة الممتعة، ويستذكرون ذكرياتهم التي عاشوها في ميادين التحدي والكد والتعب.. «دكان بومحمد» من نوادر الدكاكين المتبقية في محرق الأصالة، حيث كان يعمرها رجال لول بلقاءاتهم العفوية.. دكان بومحمد كنا نستمتع باللقاء فيه مع ثلة من الآباء ومن رجال زمن الطيبين.. ولكن.. دوام الحال من المحال، حيث انفك العقد ورحل صاحب الدكان وتبعه صاحبه، فلم يعد للمكان معنى برحيل رواده.. هذا هو الحال في كل مساحات حياتنا.. وبالأخص «بيت الأحلام» الذي يتعب المرء ويستنفر قواه من أجل أن يوفر المكان الآمن والملاذ الدافىء لأسرته.. وفي لحظة ما ينتهي كل شيء.. يرحل الأبناء إلى بيوت مستقلة.. ويبقى المؤسس مع زوجته ينطلقون لمرحلة جديدة مغايرة عن تلك التي بدأوها في مقتبل الحياة الزوجية.. وفجأة.. يتحول البيت إلى ظلام دامس.. حينها إما أن يهدم وتبنى على أنقاضه قصة حياة جديدة.. وإما أن يسكنه «الغرباء» فيستولون على مساحات الذكريات فيه.. هي دورة الحياة العجيبة.. تبقى الحياة محطة عابرة.. والآخرة هي الباقية.. فيا رب اجمعنا وأحبابنا في مستقر الجنان، نستذكر فيها لحظات الحياة التي قضيناها في طاعتك.

* تمضي الحياة بوتيرتها السريعة وبأحداثها ومواقفها وتغيراتها التي أضحت وليدة اللحظة، حتى بتنا نترقب اللحظات التالية حتى يتسنى لنا التمرس على العيش معها بسلام وأمان نفسي.. سرعة الحياة في لحظات اليوم لا تمهلك أن تبذل المزيد في ميدان العيش.. كنا بالأمس ننجز أعمال كثيرة متتالية ومع ذلك تجد المتسع من الوقت لبذل المزيد.. بالفعل كانت متعة حياتية تعطيك الأمل لبذل المزيد.. اليوم كما أنت لم تفتر عن الإنجاز وبصمة الأثر لأنك نشأت على حب الخير وقطعت على نفسك عهداً أن تبقى أنت الذي تعرفه نفسك أو يعرفه الناس بعطائه وهمته وقيادته المؤثرة في محيط الحياة.. بقيت كما أنت الأثر المنجز.. ولكن تغيرت اللحظات التي كنت تعيشها.. فأضحت سرعة الأيام المخيفة تعطيك تحدياً كبيراً في إنجاز أعمال الحياة.. سواء الروتينية منها.. أو الطموحات والآمال العريضة التي تمنيت في زمان مضى أن تحققها في مراحل متقدمة من حياتك.. الخطر الداهم الذي يعترضنا حينها، أن لا نصاب بداء الغفلة والكسل والتخبط الحياتي، فمع السرعة الحياتية قد يخيم على حياة المرء الملل والسآمة من كل شيء، لأنه لا يعرف من أين يبدأ.. ولكن تذكر أن حياتك قد تحسم في لحظة ما وتنتهي إلى الأبد، حينها سيقف العمل الذي كنت تتمنى أن تستثمره في حياتك.. لنبدأ لحظة الاستثمار من الآن.

* فلذات أكبادنا هم حصاد حياتنا الزوجية، وهم المستقبل الناجح الذي ننشده للمجتمع.. فلو حرصت كل أسرة أن تصنع قادة يشار إليهم بالبنان، لأضحى المجتمع في ازدهار ونمو دائم.. نحتاج أن نصنع قادة يحبون وطنهم ويعيشون في كنف محبته، فنحبب إليهم قيم الخير كما نحبب إليهم الطعام والشراب وترفيه الحياة.. كم هي التربية متعبة في زمان لم يعد ذاك الزمان الذي ترعرعنا فيه.. زمان يجب أن تكون فيه قريباً إلى قلوب أبنائك.. تعاصر معهم كل أحوال العيش حتى تستطيع أن تحافظ على هويتهم ومبادئهم التي غرستها في نفوسهم منذ الصغر.. حفظ الله فلذات أكبادنا وأعاننا على تربيتهم وتأسيس قادة يقودون وطنهم إلى مصاف التميز.

* ومضة أمل:

يقول المولى الكريم في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم».