فجعت البحرين هذا الأسبوع بحادثة وفاة الشاب عبدالله الجودر والشابة سارة الأوسي - رحمهما الله، وجعل مثواهما أعلى جنات الفردوس، بإذنه - إثر إصابتهما بماس كهربائي في منزلهما بمنطقة البسيتين حيث تعرضت الأم أثناء تحميم طفلها بأحد حمامات المنزل لماس كهربائي من سخان الماء أودى بحياتها في الحال فيما توفى الزوج وهو يحاول إنقاذ زوجته دون علمه بتعرضها لماس كهربائي فتوفيا الزوجين أمام أعين أبنائهما.

طريقة وفاتهما أمام أعين أبنائهما كانت أكثر تفاصيل القصة ألماً، البحرين جميعها فجعت على قصة فراقهما لأبنائهما الأربعة ووحده الله يعلم كم هي مؤلمة اللحظات التي تشهد فيها والداك وهما يرحلان عنك للأبد أمام عيناك ولن يعرف مقدار ألم وجحيم هذه اللحظات سوى اليتيم نفسه الذي فقد أبويه أو أحدهما بنفس الطريقة، ودائماً ما أقول عندما يرحل أحد الأبوين، فاليتيم يصبح تلقائياً يتيم الأبوين لا الأب فقط أو الأم فقط لأن الآخر ينشغل في لعب دور الأم والأب بنفس الوقت وتكثر عليه المسؤوليات والضغوطات فيضحي الأطفال يعانون من فراغ لا يملئه أحد مهما حاول من بقى منهما التعويض، عندما يرحل أهم عمود في حياتك وأعز إنسان بدقائق وبشكل مفاجئ لم تتوقعه أمام عيناك وبطريقة مؤلمة وفي حادث مأساوي وليس بيدك شيء ذلك لربما أعظم ألم قد تشهده يوماً وقد تحتاج لسنين حتى تصدق وتستوعب أنه لم يعد موجوداً في حياتك.

هناك مقولة تقول «لا أستطيع مواساة إنسان فقد شخص كان بالنسبة له الحياة فأنا أؤمن أن هناك أحزاناً يجب أن تعاش حتى النهاية!»، شخصياً وعن تجربة مماثلة، أؤمن بهذه العبارة، فأنا أعجز ولا أستطيع أن أواسي أحدهم عندما يفقد أعز من لديه وأقول له كلمات من نوع فترة وتمضي وستتجاوزها فهذا النوع من الألم محال أن ينسى بل أجدني أنصحه أن يتعايش معه وأن يتصارع معه كلما حضر في ذاكرته ويقاومه بالتناسي لا النسيان لأنه سيطل عليك كثيراً في كافة مناسبات حياتك وأهم المحطات بعمرك، كثير من الأيتام يدمي قلوبهم الحزن خاصة في أيام نجاحاتهم وأفراحهم كحفلات التخرج والأعياد وليالي الزفاف فأهم إنسان من المفترض أن يكون أكثر فرحاً وفخراً بهم غير موجود وقد يلطف الله بحالهم عندما يكون هناك من قربهم يذكرهم أنهم في هذه المناسبات محل من فقدوه من أب وأم، كذلك الأبوين الذين يفقدون أبنائهم حتى لو أكرمهم الله ورزقهم بتعويض متمثل في أبناء آخرين لكن يبقى لكل ابن ميزته وشخصيته ويطل بذكراه عليهم في جميع مناسباتهم السعيدة فمقعده يبقى شاغراً للأبد.

لذا أقول لعائلة كلا الشابين كان الله في عونكم وأسال الله أن يحفظ أبناءهم الأربعة ويتولاهم برحمته ولا يضيع لهم يوماً لا حقاً ولا درباً ويكون واسطتهم في جميع مراحل حياتهم ونصيرهم وظهرهم ضد كل من يعاديهم ويحاول إيذائهم فاليتيم يبقى يتيماً لذا القرآن الكريم اهتم بذكر اليتيم كثيراً «فأما اليتيم فلا تقهر» فدائماً ما نقول ونشدد إذا مر في حياتكم يوماً على مقاعد الدراسة أو العمل أو في هذه الحياة يتيم إياك أن تقهره فالألم الذي يكتنفه وهو يواجه الحياة ومصاعبها وحيداً وما به يكفيه والله!

من يتأمل تفاصيل الحادث يدرك أن ما حصل لهما قضاء وقدر من الله سبحانه الذي قضى أن تقبض روحهما في هذا اليوم وبهذه الطريقة ولكن هل يتأمل الناس بعض الرسائل التي حملتها هذه الفاجعة المأساوية؟ نستيقظ صباحاً ونحن لا ندري بأي حال سنمسي، انت تملك الكثير من الأمور القادر على السيطرة عليها فيما يخص نمط حياتك وطريقك وأسلوبك واختياراتك في هذه الحياة ولكن هناك أمور محال أن تملكها فأنت تفعل وتريد والله يفعل ما يريد!

أكثر جملة يجب أن تقال لأولئك الغافلين عن حقيقة أن الموت قد يختطفك في أي لحظة وبطريقة لا تتخيلها «هل تضمن عمرك؟» بل هي تضمن حالك ما بعد ساعتين من الآن؟ يا من تخطط وتدبر هل تضع باعتبارك تدابير القدر؟ ليتأمل البعض كيف يرحل الشباب وقد كثرت حالات وفاة الشباب وهم في مقتبل العمر، شاب فجأة يغمى عليه فيسارعون به إلى المستشفى ويكتشف أن هناك نزيفاً في الدماغ أو هناك جلطة أو... أو... أو... يدخل في غيبوبة يومان ثلاثة ويتوفى!! هذا الشاب أو الشابة التي قبل عدة ساعات كانوا بخير ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي!!

أسمع الكثير عن شكاوى التنمر والفساد في مواقع العمل وبشكل شبه يومي تردنا مكالمات من مواطنين يعانون من هذه المسائل ودائماً عندما نغلق الهاتف نفكر بطريقة: هذا المسؤول أو ذاك هل يضمن أن يغادر مكتبه إلى منزله لا إلى قبره؟ هل هناك من يستوعب أن الحياة رحلة قصيرة وأقصر مما يتصوره وأن الغانم فيها من وضع أمام عينيه حقيقة أنه معرض للرحيل في أي لحظة؟

رحمك الله يا عبدالله الجودر ورحمك الله يا سارة الأوسي وجمعكما في أعلى جنات الفردوس بإذنه.

* إحساس عابر:

فاجعة الوفاة هذه كشفت لنا أن هناك حاجة لتوعية الناس بمخاطر الخزانات وكيفية ضمان سلامة المنزل من أي ماس كهربائي خاصة مع دخول الشتاء علينا إلى جانب كيفية التعامل والتصرف في مثل هذه المواقف لمن يحاول إنقاذ من يتعرض لماس كهربائي.

قام البعض بنشر صورة المتوفى عبدالله والمتوفية سارة وهذا سلوك غير حضاري وينم عن جهل في مراعاة أهل المتوفيين ومشاعرهم، يكفي حرقة قلوبهم ثم أن نشر صورة امرأة متوفية دون رضا أهلها وعلمهم لا يجوز من يريد الدعاء لهم فليدعي لهم بينه وبين نفسه أو يكتب ذلك دون الكتابة على صورهما ونشرها!