واحدة من أهم القضايا التي تتزامن مع كل موسم انتخابي ويتزايد الحديث عنها هي قضية «شراء الأصوات» أو ما يعرف قانوناً بجريمة «الرشوة الانتخابية»، هذه الجريمة التي قد تستفحل أو تضمحل بالقياس إلى مدى عمق التجربة الديمقراطية وترسخ ممارستها في المجتمعات.

إن لهذه الجريمة تبعات ومخاطر ليس أقلها إفساد السلطة التشريعية بغير الكفاءات وبذوي المال والنفوذ دون غيرهم، والإخلال بحق جميع من تنطبق عليهم شروط الترشح قانوناً في التنافس المتكافئ النزيه وحق الوصول إلى قبة البرلمان.

ولما تنطوي عليه هذه الجريمة من مخاطر جمة ليس أقلها صعوبة إثباتها، ومن أجل الحد من التفاوت في الإنفاق المالي بين المرشحين على الدعاية الانتخابية وتقليل احتمالية توظيف الرشاوى الانتخابية في توجيه اتجاهات الناخبين نحو مرشحين بعينهم، ذهبت بعض التشريعات المقارنة إلى تقرير حد أقصى لنفقات الحملة الانتخابية وفتح حساب بنكي خاص بالحملة الانتخابية بما يسهل مراقبة عملية الصرف وتقرير عقوبة جنائية على من يتجاوز ذلك الحد. فيما أخذت أخرى بمبدأ رعاية الدولة للحملات الانتخابية للمرشحين من خلال تقديمها الدعم المالي الكافي لجميع المرشحين.

وقد قرر المشرع البحريني في المادة «25» من قانون مجلسي الشورى والنواب أنه: «يحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو اعتباري سواء كان بصورة مباشرة أو بواسطة الغير، كما يحظر على أي شخص أن يطلب مثل تلك الهدايا أو التبرعات أو المساعدات أو الوعد بها من أي مرشح. كما يحظر على المرشح تلقي أية أموال للدعاية الانتخابية من أية جهة كانت». وكان الهدف من تقرير هذا النص الحيلولة دون الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، وقطع دابر التدخل الخارجي في العملية الانتخابية من خلال توظيف المال السياسي. إلا أن ضعف العقوبة المترتبة على ارتكاب هذه الجريمة وتتمثل في الحبس والغرامة التي لا تقل عن 300 دينار ولا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين -وربما صعوبة إثباتها- أفسح المجال لارتكابها من قبل البعض دون رادع.

إن انتشار هذه الظاهرة أو فلنسلم -بوجود حالات فردية فحسب- يؤدي إلى إنتاج مؤسسة تشريعية مشوهة وفاسدة أعضاؤها من أصحاب المال والنفوذ، واستغلالهم حاجات ناخبيهم للوصول إلى قبة البرلمان وتصدرهم موقع حساس للغاية ومهم من مواقع صنع القرار لتحقيق مآربهم الشخصية لا المصلحة العامة.

والسؤال الذي يجدر توجيهه للناخب هنا: هل ثمن صوتك بخس لدرجة أن تقدمه لغير الكفء بـ50 أو 100 دينار أو مقابل جهاز إلكتروني أو كهربائي قد «يخترب» قبل انتهاء الدورة النيابية؟ إن بقبولك أو طلبك مقابلاً لصوتك أنت تجني على بلدك ومواطنيه، فالنائب عن أي دائرة هو ممثل للشعب في مجموعه، ووصول غير الكفء الذي يبدأ مشواره بارتكاب جريمة انتخابية وأخلاقية هو في حد ذاته جريمة في حق البلاد والعباد.

ولعل أبرز ما لفتني خلال حضوري دورات معهد البحرين للتنمية السياسية هو تكرار توجيه بعض المرشحين للمجالس النيابية أو البلدية، سؤالاً للمحاضرين بشأن كيفية التصرف عندما يطلب منهم ناخبيهم مقابلاً لأصواتهم.

وهو أمر حميد فالسؤال يعني وجود وعي ورغبة داخلية لدى أولئك المرشحين برفض تقديم الرشوة الانتخابية، ولكن المشكلة التي عبروا عنها في طيات سؤالهم هي ماذا سيحدث لو أن منافسيهم في الدائرة نفسها قدموا لطالبي الرشوة الانتخابية ما يطلبونه في حين أحجموا هم عن ذلك؟ بالطبع سيفوز الآخر؟

وهنا لا بد من وجود وعي جمعي حقيقي بكون شراء الأصوات جريمة يعاقب عليها القانون الذي يقع على كاهل كل عضو من أعضاء السلطة التشريعية سنه وحمايته وضمان احترامه، لا أن يبدأ مشواره النيابي بالتطاول عليه وخرقه.

إن تكاتف كافة المرشحين ورفضهم توظيف المال في العملية السياسية سيقوي من تجربتنا الديمقراطية، وسيقطع الطريق على من ينوي الإساءة إليها، وسيضمن وصول المرشح الأكفأ لا الأكثر مالاً، لأن الأكثر مالاً لن ينفع الوطن بشيء فقد يشرّع غداً قانوناً يستنزف كل ما في جيب الناخب بما يفوق قيمة المبلغ أو الجهاز الذي منحه إياه واشترى به ثمن صوته.

* سانحة:

أخي الناخب الحر: لا تقبل أن يقال لك صوتك.. بكم؟ لأنك أغلى وأرقى من أن تبخس ثمن حق دستوري لا يقدر بثمن.. بثمن بخس.

ولا تقبل أن توضع وأنت الفرد من مجموع شعب صنفه القانون الأسمى في البلاد -الدستور- بأنه «مصدر السلطات جميعاً» «المادة 1/د من دستور مملكة البحرين»، في ميزان المقايضة أو المساومة أو المزايدة، لأنك إن قبلت ذلك اليوم -بكامل إرادتك- فلا تستبعد أن تكون حقوقك في السنوات الأربع القادمة خاضعة للميزان نفسه!