من الصعب الكتابة عن العلاقات البحرينية المصرية لعمق الجذور التي ترجع للعصر الفرعوني وحضارة دلمون، ولذلك كتب المؤرخ الإغريقي المشهور هيرودوت عن هاتين الحضارتين في كتابه الذي ركز على المنطقة وحضارتها آنذاك، ثم استمرت العلاقات في العصر الإسلامي الأول والعصور اللاحقة حتى عصرنا الحديث، عندما كانت كل من مصر والبحرين مركزاً للبحرية البريطانية والاستعمار البريطاني في طريقه للهند. وفي عهد الدولة العثمانية خضعت كل من مصر والبحرين للاستعمار العثماني البالغ السوء والخبيث، فدفع محمد علي حاكم مصر للقيام بحرب ضد الدولة السعودية الأولى وبالتالي كانت المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة عرضة للغزو ليس بقرار مصري أو جندي مصر وإنما بقرار عثماني بغيض وجنود معظمهم غير مصريين. المهم أن العصر الحديث شهد توثيق العلاقة البحرينية المصرية وتجلى ذلك في سبعة مظاهر:

الأول: مساهمة الثقافة والتعليم المصري فكانت مصر من أوائل من ساهم في التعليم في البحرين منذ العقد الثالث للقرن العشرين. أما الثقافة معظمها آنذاك كان يصل للبحرين عن طريق الهند لأن الاستعمار البريطاني كان يمنع التواصل المباشر فكان يتم تهريب الكتب والصحف والمجلات المصرية عبر الهند.

الثاني: عمق الحس القومي البحريني حتى في ظل الحماية البريطانية فقد كانت حركة القوميين العرب متألقة في البحرين، وعندما زار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر البحرين زيارة غير رسمية وتوقفت طائرته في مطار البحرين في طريقه للهند ونزل يحيي جماهير المحرق لقي استقبالاً منقطع النظير سوى في سوريا العروبة عام 1958 عندما حمل السوريون سيارة عبدالناصر للوحدة.

الثالث: من أعظم ذكريات العلاقات الثقافية عندما شارك أدباء وشعراء البحرين في تنصيب وتكريم الشاعر أحمد شوقي أميراً للشعراء، وكانت هدية شعب البحرين ومثقفيه نخلة مرصعة باللؤلؤ فعبرت عن ثلاثة أمور، حب الشعب البحريني لشقيقه المصري، تفاعل المثقفين مع بعضهم البعض، إهداء حضارة البحرين رمز ثقافتها للشاعر المصري.

الرابع: السمات المشتركة لشعبي البحرين ومصر هي الانفتاح على الخارج بحكم الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وفي مقدمة تلك السمات، التسامح، والاعتدال، والتعايش مع الأديان والأعراق الأخرى، لذلك، فشعب كل من مصر والبحرين متعدد الأصول، عميق الجذور، متطلع للمستقبل باعتدال ولديه قدرة على استيعاب الأجنبي وإدماجه في النسيج الوطني.

الخامس: في عهد عبدالناصر كان التعليم في مصر مفتوحاً للشعب البحريني من مختلف طوائفه وقد تأكد لي ذلك عندما حضرت للبحرين ووجدت من بين كبار المثقفين والسياسيين تعلموا في مصر ولا أستطيع أن أحصيهم فهم كثر ويحتفظون بذكريات طيبة.

السادس: في مختلف عهود الحكم كان التعبير الواضح والصريح عن وقوف مصر مع حكومة وشعب البحرين ضد الطموحات غير المشروعة من دولة الجوار الشرقي وادعاءاتها غير الصحيحة تاريخياً بأن البحرين كانت إحدى أقاليمه، والصحيح أن عدداً من أقاليم فارس تعربت وعاش بها كثير من العرب ومازالوا وإن عاد بعضهم للساحل الغربي للخليج، ومازالت قبائل عربية كثيرة في فارس وساحلها على الخليج العربي رغم محاولات قطع أواصر المودة بين شاطئ الخليج العربي من قبل جماعات أعماها الفكر السقيم المزور، فالتاريخ الحضاري للبحرين سبق حضارة فارس التي تألقت لفترة قصيرة قبل الإسلام ثم انهارت واندمجت في الحضارة الإسلامية ومارست دوراً سلبياً تجاه العرب.

السابع: التصريحات الرسمية والسلوك الفعلي من قادة مصر عبر تاريخها القريب في عهد مبارك والسيسي أن أمن الخليج وخاصة البحرين جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي بل صرح الرئيس السيسي بأنه إذا لزم الأمر فإن الجيش المصري سيتحرك للدفاع عن أمن البحرين والخليج في حال أي اعتداء عليها وفي مقولة أخرى «مسافة السكة»، ولذا تسود علاقات الحكام في الدولتين أواصر المحبة والمودة وكذلك بين الشعبين الشقيقين. وتعكس زيارة وزير الخارجية سامح شكري ومباحثاته مع وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة والاتفاقات التي تم توقيعها لتطوير وتعميق علاقات البلدين، كما تشرف وزير الخارجية المصري بلقاء حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر له وعبرت تصريحات حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، عن عمق وأصالة علاقات الشعبين عبر العصور، ومن ذلك إشادة حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى، بالدور المصري الذي وصفه بأنه دور مشرف في دعم العمل العربي المشترك وأشار لتأكيدها الدائم في الذود عن مكتسبات الأمن العربي ومحاربة الإرهاب وحماية مصالح الأمة.

كما وقعت الدولتان مذكرات تفاهم وبرامج تنفيذية في ختام أعمال اللجنة المشتركة التي عقدت برئاسة وزيري خارجية الدولتين. ونتمنى الازدهار لهذه العلاقات. وفي ختام اجتماعات اللجنة المشتركة شددت الدولتان على أهمية أمن الخليج العربي كما أكدتا أن الالتفاف القطري على المطالب الثلاثة عشر سيؤدي لإطالة أمد الأزمة.

* مستشار رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات»