عشرات التصريحات الصحافية التي يدلي بها المسؤولون عن شبكات الطرق والصرف الصحي طوال العام للتأكيد على أن كل شيء على ما يرام، وأنهم على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طارئ، بما في ذلك المواسم الماطرة التي بات التنبؤ بها ميسراً بفضل المتوافر من أدوات الرصد الحديثة، إلا أن هطول «قطرتين» من المطر كفيلة بنسف كافة تلك التصريحات وإثبات عدم واقعيتها أو صدقيتها البتة!

أمطار الخير التي شهدتها مملكة البحرين في الأيام القليلة الماضية كشفت المستور وفضحت سوء البنية التحتية في كثير من مناطق البلاد، بما فيها بعض المناطق الجديدة التي لم تنجُ من تسرب مياه الأمطار إلى بيوتها، وتجمعها في شوارعها على هيئة برك عطلت السير وأعاقت حركة المرور.

إننا قد نفهم أو نحاول أن نتفهم الموقف في المدن والقرى الإسكانية القديمة ونركن ذلك إلى سوء تخطيط في تلك المناطق أو تهالك في بنيتها التحتية بفعل عوامل الزمان، ولكن ما العذر أو المبرر الذي يمكن أن يسوّغ غرق بعض المشاريع الإسكانية الحديثة التي لم ينجُ قاطنوها من الأضرار والخسائر المترتبة على اجتياح مياه الأمطار منازلهم التي قضوا قسطاً من أعمارهم يحلمون بالحصول عليها؟

ألم يكن بالإمكان تلافي أخطاء التخطيط القديمة في هذه المشاريع؟ ماذا عن شبكات صرف مياه الأمطار؟ ومن سيعوض قاطني تلك المناطق عن خسائرهم المعنوية وهم يرون بيوت أحلامهم تغرق، فضلاً عن خسائرهم المادية الناجمة عن تضرر أثاثهم ومقتنياتهم وأجهزتهم الكهربائية، وحتى «ماجلتهم» الشهرية، ونحن نعلم أن أولئك المواطنين من ذوي الدخول المحدودة الذين قد يتأثرون جداً حتى بفقدان القليل في نظر البعض.

أما الوضع بالنسبة للبيوت والمناطق القديمة فحدث ولا حرج! فقد تعرض كثير من البيوت المتوسطة العمر والقديمة إلى الأضرار بسبب تسرب مياه الأمطار إلى داخلها، من خلال مداخلها أو لتشققات في الأسقف أو بواسطة النوافذ والأبواب.

ولم تكن المدارس بمنأى عن الضرر، فقد تعطلت الدراسة في بعض المدارس الحكومية والخاصة بعد تعرضها إلى تماس كهربائي ناجم عن الهطل المطري فضلاً عن تجمع برك المياه فيها وتسربها إلى الفصول الدراسية.

ثم ماذا عن نفق بوري - عالي الذي يتم إغلاقه سنوياً لعدة أيام بغرض الصيانة، ثم ما إن تهطل الأمطار -على قلتها- حتى يمتلئ بالمياه عن بكرة أبيه الأمر الذي يضطر إلى إغلاقه أمام الحركة المرورية. والسؤال الجدير بالطرح هنا: لماذا تتكرر تلك المشاهد وبصورة رتيبة ومؤسفة سنوياً؟ ثم ماذا سنفعل لو قدر الله أن تهطل علينا كميات أكبر من الأمطار كما حدث مؤخراً في بعض الدول الشقيقة المجاورة؟

إن تكرار هذه الأزمة عند هطول الأمطار كل عام يؤكد أننا لا نسير وفق خطط مدروسة وممنهجة معدة سلفاً، بل إن خطط المشاريع ما هي إلا عبارة عن خطط لحظية تأتي كردود فعل على ما يستجد من أحداث، وإلا فما تفسير تكرر التبعات ذاتها في مثل هذه الأوقات سنوياً دون أن يكون لها حد؟!

* سانحة:

نحن لا نحتاج إلى خطط كوارث أو طوارئ أو أزمات لمواجهة موسم متوقع يتكرر كل عام، بقدر ما نحتاج إلى تخطيط سليم ومشاريع إنشائية وتحسينية ذات جودة عالية والإسراع في إنجاز وصيانة شبكات صرف مياه الأمطار في مختلف مناطق البلاد، حتى لا نغرق كل مرة في «ربع شبر مية»..!