تحت رعاية كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حفظها الله قرينة عاهل البلاد ملك مملكة البحرين المفدى، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، أقيم أمس المؤتمر الدولي بعنوان «دور المشاركة السياسية للمرأة في تحقيق العدالة التنموية».. «تجارب عملية.. وتطلعات مستقبلية».. والذي تستكمل جلساته اليوم الخميس.. حيث يطرح المؤتمر قضية مشاركة المرأة ليس من منطلق المطالبات الاجتماعية لتمكين المرأة ولا من منطلق دلالات التمثيل التي يراد لها أن تكون بمؤشرات أكثر عدداً وأكبر نوعاً بوصفها واقعاً معاشاً في التجربة البرلمانية البحرينية، بل يتعدى المؤتمر كل ذلك ليلامس الخط الواقعي الأقرب إلى عمق المجتمعات، ليقدم توصيفاً عالمياً للحراك النسوي من منطلق تجارب واقعية حملت دروساً وعرضت تجارب ونماذج للحراك النسوي في الشأن الانتخابي.

أقف عند محاور جوهرية لتبين لنا موضع القدم في الشأن الانتخابي النسوي العالمي، فالسيدة هيلين كلارك رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة عرضت تجربتها الواقعية كسيدة مكافحة تدرجت في العمل السياسي إلى أن وصلت لنيل منصب رئيسة وزراء، ولم يكن المثال الذي تجسده كامرأة استطاعت كسب ثقة حزبها ومن ثم وصولها إلى منصب هام في الدولة، بل عرضت فيديو عن كفاحها كسيدة تهتم بتفاصيل عائلتها إذ كانت تؤمن وجبات أبيها الأرمل في فترة غيابها حيث كانت تطهو وتخزن له الطعام بشكل مجمد في علب لكي تؤمن له لقمته.. في صورة إنسانية جميلة تبين كفاح السيدة بما تحمله من خصوصية لتحمل مسؤوليات بيتها وعائلتها.

النموذج الثاني تمثل في د.أمل القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي بدولة الإمارات العربية المتحدة، التي بينت من خلال عرض تفاصيل التجربة الإماراتية في تمكين المرأة من المناصب الهامة على مستوى السلطات الثلاث وفي مهن نوعية تحمل دلالتها كالطاقة والفضاء والطيران، بما تحمله الخصوصية الخليجية من ظروف وهموم متشابهة تجعل من القيادة الخليجية خير داعم ومساند للمرأة المنجزة لتمكنها من البروز في مجتمعها، وقالت في معرض حديثها إن المرأة الإيطالية وصلت للبرلمان بعد نضال دام 70 عاماً، والمرأة الإماراتية أو الخليجية وصلت للبرلمان في غضون 8 سنوات فقط، في إشارة واضحة بشهادة واقعية إلى أن المرأة الخليجية تستطيع حرق المراحل بدعم حكامها الذين ينظرون للمرأة بنظرة تقدمية قائمة على مبدأ أنها شريك حقيقي في بناء الأوطان.

النموذج الثالث جسده رئيس البرلمان العربي وعضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية الدكتور مشعل السلمي، الذي أكد على رؤية المرأة العربية كشريك فاعل في مجتمعها وأهمية خلق واقع جديد لها، لافتاً إلى دور المرأة المناضلة الذي تمثله المرأة الفلسطينية بنضالها وصبرها وقوتها في مواجهة العدوان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، إلى جانب شعوب أخرى تعاني من ويلات الإرهاب مثل سوريا واليمن والعراق وغيرها.. وعليه فإن الواقع العربي ينقسم بين النموذجين الذي يعتبر أن لكل واحد خصوصيته.

النموذج الرابع تمثل في التجربة الجزائرية التي عرضتها نوارة سعدية جعفر نائب رئيس مجلس الأمة بالجمهورية الجزائرية، حيث أثر تعديل قانون الأحزاب وإلزامهم باحتواء قوائمهم لعناصر نسائية إلى تغيير واقع المرأة الذي بدأ بـ5% ووصل إلى 26% ويراد له بلوغ 50%، أما التجربة المصرية التي قدمت النموذج الخامس من خلال د.مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة بجمهورية مصر العربية التي أكدت أن المرأة صاحبة كفاءة وتحتاج فقط إلى كسر الجليد الذي أمامها معتبرة أن تعيين مستشارة في الأمن القومي في مصر قبل 40 عاماً هو ما كسر الجليد في مصر وسمح لإيجاد تمثيل نسائي مختلف في مواقع ومجالات كثيرة، وصولاً إلى استراتيجية وطنية واضحة لدعم المرأة.

ضيوف المؤتمر بين شخصيات عربية وعالمية تحدثوا عن توصيف لحال المرأة المتباين بين المجتمعات، في ظل وجود هدف إنمائي بضرورة إشراكها في مواقع صنع القرار المختلفة، لتكون شريكاً في كل مفاصل الدولة وفي ظل كل السلطات.. مؤكدين أهمية إيجاد آليات تضمن تحقيق ذلك.. وبين التجارب سالفة الذكر وأخرى لا يسع استعراضها، ثمة واقع متغير بمعطيات ومؤشرات جديدة ومطالبات مختلفة وخطاب مغاير يجب أن يثبت على أرض الواقع.

10 أيام تفصلنا عن النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية والبلدية 2018.. حراك يرصد بدخول سيدة واحدة في انتخابات الفصل التشريعي الثاني سنة 2006-2010 بعد انطلاق المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، في 2002، تبع ذلك انتخاب 4 سيدات في مجلس 2010-2014، و3 سيدات في مجلس 2014-2018.. وفي ظل وجود مرشحات تجاوزوا الأربعين مرشحة في انتخابات 2018، ثمة مسؤولية اجتماعية أمام الناخبين اليوم للحفاظ على نسبة التمثيل الحالية أو تجاوزها، فالإيمان بوجود المرأة البرلمانية كشريك في العمل السياسي أصبح حاجة ملحة.. ومكسب أممي يمثل مؤشراً ذا دلالة يحسب لصالح البلد، وعليه فإن إيصال من تملك الكفاءة والقدرة على التمثيل الشعبي أمر ضروري يرتهن لصوت الناخب الواعي، لا سيما وأن صاحبات الكفاءة كثر يتنوعن بين خبرات عملية وشهادات علمية وتاريخ نضالي وعمل أهلي يمتد لسنوات طوال في انتظار الإيمان بهن لإثبات الذات.

نتحدث عن قناعة مجتمع بوجود المرأة كعنصر فاعل في البرلمان، نتحدث عن الإيمان بالمرأة كبرلمانية مدافعة عن الحقوق، برلمانية تملك القدرة على رفع الصوت من أجل تحريك القضايا الراكدة، عن سيدات مؤثرات في دوائرهن قادرات على إحداث نقلة في كيفية التعاطي المجتمعي مع القضايا.. فوجود المرأة في التشكيل الجديد لـ2018 سيحمل دلالاته ويترجم مدى إيمان المجتمع بدورها. لا سيما وأن الانتخاب من أصعب المقاييس وأكثرها قوة لمعرفة مدى احتضان المجتمع لبناته ونسائه وإتاحة الفرص لهن للبروز والنجاح.

إن كان المنادون بأهمية دور المرأة في مجتمعها ينطلقون من مطالبات التمثيل بنسبة 25 إلى 27%، طرح مؤتمر الأمس أن النسبة العلمية التي تستطيع إحداث التغيير والإسهام في قلب المعادلات الثابتة هي 30%، ولتحقيق ذلك ثمة نضال طويل لاتزال المرأة البحرينية في بداياته من أجل إثبات قدرتها على ملء مساحتها الخاصة أمام منافسة الرجل في أشرس المجالات وأكثرها قوة ألا وهو المعترك الانتخابي.. لذلك تمتد الآمال لناخب 2018 في معرفة دوره الهام في تحديد ملامح التشكيل البرلماني القادم.. فهو المسؤول الأول عن نوعية ممثليه، وحتى 24 نوفمبر ستظل العيون متجه لنتائج الصناديق وما ستعكسه من مؤشرات جديدة في الحراك السياسي البحريني.