اتهام تركيا بتسييس قصة الصحافي السعودي جمال خاشقجي منطقي وواقعي لسببين، الأول هو أن تركيا عمدت إلى تسييس هذه القصة وكل ما تفعله منذ بدأت يؤكد هذا الأمر، والثانية أنها تكون دون الذكاء لو أنها لم تقم بتسييسها ولم تستغل الفرصة التي قد لا تتكرر. تركيا استغلت قصة خاشقجي ووظفتها لخدمة سياستها لتربح من خلالها ما قد لا تربحه من دونها ولتحقق أهدافاً صارت تتضح يوماً في إثر يوم، والأكيد أنها نجحت في استغلال وتوظيف الإعلام لخدمة تلك الأهداف وخصوصاً قناة «الجزيرة» القطرية التي لاتزال تحتل قصة خاشقجي أكثر من ثلاثة أرباع ساعات بثها بل إنها لم تعد تهتم بغيرها من القصص.

تسييس تركيا لقصة خاشقجي أمر واقع لا تستطيع أن تنكره وهو واضح وضوح الشمس، واستغلالها لهذه القصة أمر طبيعي لأنها فرصة يمكن أن تحقق من خلالها العديد من الأهداف التي أساسها إعاقة المملكة العربية السعودية أملاً في منعها من قيادة المنطقة، والتعبير عن التضامن مع قطر التي فتحت لها عاصمتها وأقامت فيها قاعدة عسكرية بالمجان فور أن اتخذت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قرار مقاطعتها أملاً في أن تعود إلى رشدها وتتوقف عن دعم وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى الانتصار لجماعة الإخوان المسلمين التي تمت مواجهتها من قبل الدول الأربع، ولتمكين إيران كي تعين على تحقيق كل هذه الأهداف.

تركيا لا تستطيع أن تنكر استغلاها لقصة خاشقجي وتوظيفها لخدمة أهدافها السياسية، حيث النكران والقول بأنها لا تسيس هذه القصة يعني أنها دون الذكاء ودون القدرة على الاستفادة من الفرص التي قد لا تتكرر، وهذا أمر يسيء إليها ويظهرها في مظهر لا يرضيها. والواقع يؤكد أنها تعمل ليل نهار كي تستفيد من هذه الفرصة، لهذا لا يتوقع أن تتوقف عن تسريب الأخبار والادعاءات، ومثل هذا الأمر لو حصل فإنه يعني أن صفقة ما قد توصلت إليها تغنيها عن مواصلة استغلال هذه القصة.

تركيا «تعمل سياسة»، ومن يعمل سياسة يعمد إلى استغلال كل قصة يتوقع أن يحقق من خلالها أهدافاً معينة واستغلال كل فرصة تلوح، وهي ستتوقف عن الذي تقوم به حالياً بعد أن يتبين لها أن قصة خاشقجي لم تعد مصدراً للكسب أو تكون قد حصلت منها على ما تريد.

تركيا ستعمد إلى تدويل هذه القصة لو وجدت أن لها في ذلك مصلحة ومكسباً، وستتوقف عن هذا الأمر لو وجدت أن مصلحتها والمكسب يكمن في هذا التوقف. لهذا فإن من يعتقد أن تركيا فعلت ما فعلت ولاتزال دفاعاً عن حقوق الإنسان مخطئ ومخدوع، فالواقع يؤكد أن أردوغان واحد من كبار المسيئين لحقوق الإنسان، ومن لا يصدق هذا فليسأل عنه الأتراك الذين عانوا منه كثيراً خصوصاً بعد تمثيلية محاولة الانقلاب التي خسر بسببها آلاف المواطنين الأتراك وظائفهم وامتلأت بهم السجون المنتشرة في طول البلاد وعرضها. أما المثال الأقرب على التطاول على حقوق الإنسان في تركيا فهو الحكم الذي صدر في حق المفكر الإسلامي علي أونال الذي ألف تفسيراً للقرآن باللغتين التركية والإنجليزية وقوامه الحبس مدة 19 عاماً، والمثال الأقرب أيضاً حربه التي لا هوادة فيها ضد الصحافيين الأتراك الذين لا يسيرون على هواه ولا يفعلون ما يؤمرون. أما المثال الأبرز على اقتناص تركيا للفرص والاستفادة من تسييس القصص فهو إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برانسون الذي اتهم بالتجسس وارتكاب جرائم باسم تنظيمات إرهابية حيث قضت المحكمة التي كانت قد حكمت عليه بالسجن لمدة تزيد عن ثلاثة أعوام بتبرئته ورفع حظر السفر عنه فاستعاد حريته.