لما بدأ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك في سنة 2001 بدأت مرحلة جديدة في الحياة الديمقراطية في البحرين وفي ذلك الوقت قاطعت بعض الجمعيات السياسية الدخول في الانتخابات لأسبابها الخاصة مع أن مملكة البحرين كانت في بداية الطريق في العملية الديمقراطيه، ومع أن مقاطعة الانتخابات خيار أعطاه القانون لأي مواطن أن يختاره ولكن هذا الخيار سلبي ولا يخدم الوطن وضد الإصلاح. ومقاطعة الانتخابات هي إشارة تدل على أن المعارضة ضعيفة تنسحب من الانتخابات خوفاً من الهزيمة الانتخابيه، والمدهش فىيأمر نخبة المعارضة والنشطاء أنهم استدعوا فكرة المقاطعة أكثر من مرة وفشلت في أن تحقق النتائج التي وعدوا الناس بها، بل ساهمت في فتح المجال أمام تيارات متطرفة كادت أن تخطف البلاد وما يعمق فكرة الدهشة هو عودة النشطاء والمعارضين إلى نفس نغمة المقاطعة وتحريض الناس على عدم المشاركة في الانتخابات الحالية، رغم أنهم في كتبهم ودراساتهم وأبحاثهم أخبرونا من قبل بأن المشاركة في حد ذاتها حق وواجب وتدعيم للعملية الديمقراطية، فمن عجيب الأمر أن تتحول فكرة المشاركة السياسية وممارسة الحق الانتخابي إلى وجهة نظر، تجوز في بعض الأحيان، ولا تجوز في أحيان أخرى، على حسب المصلحة، والعجيب أيضاً أن أغلب الأصوات التي تحرض الناس الآن على مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة هي نفسها التي طالما صرخت لعقود من أجل تشجيع المواطنين على التصويت والمشاركة في الانتخابات، وكأن الفعل الديمقراطي ليس هو الغاية في حد ذاته، بل المصلحة، يشجعون الناس على النزول والحشد إذا كان ذلك في مصلحة النشطاء والتيارات السياسية، ويحرضونهم على فقدان حق اكتسبوه إذا غابت مصلحة تياراتهم، رغم أن مصلحة الوطن فوق الجميع، فمقاطعة الانتخابات لا تزيد الطين إلا بلة، وتُبقي دارَ لقمان على حالها، فمقاطعة الانتخابات تكريس لسياسة الأمر الواقع وتهرب من مواجهة الفساد والتزوير وقد لا أبالغ إذا قلتُ إن مقاطعة الانتخابات خيانة تاريخية للمسؤولية الملقاة على عاتقنا لأننا بمقاطعتنا للانتخابات سنكون قد منحنا الفرصة للمفسدين للسيطرة على المشهد السياسي في بلادنا عموماً وفي منطقتنا خصوصاً، فعلينا أن نَنْشُدُ التغيير في بلادنا ونتعطش للديمقراطية الحقة وليس لديمقراطية الشعارات الفارغة من المضمون، فيرفعون راية المقاطعة وكأنها الحل، بل ويقمعون صوت المواطن الذي يريد المشاركة بتبريرات تتغير وفق الهوى، تارة انتخابات معروفة النتائج، وتارة المشاركة لن تغير شيئاً، وتارة أخرى بالتشكيك في المسألة كلها، ينشطون في صراخهم وتضامنهم وإدانتهم للإرهاب حينما تضرب أحد حوادثه عاصمة أوروبية، يحدثونك عن التضامن والضحايا والبطولات في المواجهة وعن الإرهاب كظاهرة عالمية خطيرة، بينما هم أنفسهم يقدمون التعازي على استحياء ويحدثونك عن التقصير والعنف الذي يولد العنف حينما يضرب الإرهاب في بلادنا، ويحملون السلطة مسؤولية الإرهاب الذي كان من قبل ظاهرة عالمية، مع هذا، ومهما كانت النواقص والثغرات والعيوب في الممارسة الانتخابية فإن وجودها أفضل من غيابها أو عدم الاعتراف بها فعلى رغم محاولات التسويف والاحتواء بالتأثير في النتائج فإن التطور الموضوعي البعيد المدى والتراكم الذي سيحصل لا يخلو من فائدة وإن كانت محدودة وفي حاجة إلى تطوير وتعميق ومراقبة وشفافية طبقاً للمعايير الدولية، لأن اعتماد المعايير الدولية للانتخابات سيكون المدخل الصحيح لمجتمعات تطمح إلى الديمقراطية حيث ذكرت دراسة حول السياسات المقارنه أن نتيجة الشرعية هو استقرار نظام معتبرة أن الشرعية تسمح للمواطنين بالتأثير في عملية التغيير لكن ضمن قنوات مؤسسية للتغيير أو التغيير من خلال معارضة في البرلمان تسعى لبناء الدولة، فلدى المعارضة الدافع الكافي للمشاركة في الانتخابات لاكتساب الخبرة والرؤية واكتساب موطئ قدم في البرلمان حتى لو تضاءلت حصتها من الأصوات، فعلى المدى الطويل العديد من المعارضة هي أفضل حالاً عند المشاركة في الانتخابات من التيارات والكتل المعارضة الساعية لمقاطعتها، لكن ليس هناك أحد يتوقع مدى المشاركة الشعبية أو درجة المقاطعة للانتخابات وذلك لعدم تحزب الشعب، أي أن غالبية الشعب لا ينطوون تحت مظلة تيارات سياسية محددة، والامتناع عن التصويت فى الانتخابات ظاهرة سلبية توحي برفض الناس المشاركة في العملية الانتخابية وكل شيء له ظاهر وباطن، فالظاهر يبدو كذلك كما يظن الناس عزوفاً عن العملية السياسية وإدارة الظهر لها بطريقة مخاصمة الرجل لزوجته أو الزوجة لزوجها، فالتصويت مؤثر شعبى، إيجاباً أم سلباً، بالمشاركة أم بالامتناع، وقد يكون الامتناع أكثر دلالة على الحالة السياسية للشعب من المشاركة، فالامتناع يحتاج إلى إرادة فى حين أن المشاركة مجرد تعود واعتياد فتشجيع الناس على معرفة طريق صناديق الاقتراع سواء كانت انتخابات هادئة أو ساخنة هو أول طريق بناء الدولة القوية لأن المواطن الذى اعتاد أن يذهب إلى صناديق الانتخابات مع مرور الوقت سيفرض نمطاً انتخابياً يعترف بصوته ويحول الساحة فى ظروف طبيعية ومستقرة إلى ساحة ممارسة انتخابية قادرة على إفراز نتائج لصالح الوطن، ولكن يبقى السؤال لماذا يكون امتناع المواطنين عن حق الانتخاب تحدياً كبيراً وأمراً مهماً؟ إن تراجع الإقبال على الانتخابات يدعو إلى اتهام النظام السياسي ويشكل قلقاً على الديمقراطية نفسها وربما تكون المشكلة أكبر في حال مشاركة عدم المقتنعين بجدوى التصويت وحكمته لأنها مشاركة ستقود إلى الخيارات الخاطئة ولذلك فإن المشاركة يجب أن تبقى مرتبطة بثقافة سياسية ترى أهمية المشاركة وتدرك الفوائد والمصالح المترتبة عليها فحق التصويت في الانتخابات أو حق الانتخاب هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات ويمكن تعريف الانتخابات أيضاً بأنها تلك العملية التي يقوم المواطنون بواسطتها، وبشكل دوري، باختيار ممثليهم لتسلّم مناصب السلطة التشريعية. مع هذا، ومهما كانت النواقص والثغرات والعيوب في الممارسة الانتخابية فإن وجودها أفضل من غيابها أو عدم الاعتراف بها، فعلى رغم محاولات المقاطعه فإن التطور الموضوعي البعيد المدى والتراكم الذي سيحصل لا يخلو من فائدة وإن كانت محدودة وفي حاجة إلى تطوير وتعميق ومراقبة وشفافية طبقاً للمعايير الدولية لأن اعتماد المعايير الدولية للانتخابات سيكون المدخل الصحيح لمجتمعات تطمح إلى الديمقراطية.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية