في زمن تحولت فيه الأنظار صوب أحداث أخرى -لا تملك مقاييس القدرة على تغيير المشهد ‏الاستراتيجي- يمد كبار مرابي البنك الدولي يدهم للسودان، مستغلين ما مر به من الأزمات السياسية ‏والحروب الأهلية، وعملية انفصال الجنوب التي أخذت معها معظم إنتاج النفط، في زمن عقوبات أمريكية ‏للتو رفعت بعد 20 عاماً.‏

والسودان الضعيف اقتصادياً هو البلد العربي الذي تجاوزته أفعاله ومساهماته رغم الضعف‏، والتي كان آخرها وقوفه المشرف في قضية اليمن، لكون الرؤى الاستراتيجية الحاكمة لسياسته هي ‏الوقوف موقف العربي النبيل حين تستدعي الحاجة. وربما يحتاج الأمر لدراسات مطولة لتوسيع دائرة ‏الأمثلة من أجل إضاءة إشكالية الارتباط السوداني مع طهران ثم القفزة العروبية ضدها في اليمن.‏

وبالاعتماد على اقتباسات يستقيها المتابع من وسائل الإعلام السودانية تظهر صورة قاتمة في ‏شوارع الخرطوم الشقيقة دون أن تثار معها ضجة إيجابية في وسائل الإعلام العربية، فهناك ارتفاع ‏بأسعار الأغذية وقد بلغ التضخم أعلى مستوياته فسجلت ولاية البحر الأحمر 97.86%، وفي الخرطوم ‏‏60%. وارتفع الطلب على السيولة النقدية بسبب التضخم، وضعف الثقة في النظام المصرفي، لذا تسعى ‏الحكومة لتفادي انهيار اقتصادي من خلال خفض حاد في قيمة العملة وإجراءات تقشف عاجلة. ولتقييد ‏المعروض النقدي لحماية الجنيه السوداني نفدت العملة من الكثير من ماكينات الصرف الآلي في ‏العاصمة السودانية الخرطوم حيث يعيش المواطن السوداني في أزمة اقتصادية حقيقية. ‏

محددات التعاطي مع الازمة الاقتصادية في السودان أجبرت صانع القرار على الأخذ بالمرحلية ومتغيرات ‏اللحظة، لكن مع النظر للخارج شرقاً وغرباً دون النظر لمحيطه العربي ربما بسبب إخفاقات سابقة. فقد ‏طلبت الخرطوم بأن يقوم الاتحاد الأوروبي بجهود لتخفيف الديون بل إن ما يقدمه من مساعدات لمقابلة ‏احتياجات اللاجئين غير كافية. كما رفضت الخرطوم مقترحاً من صندوق النقد الدولي لتعويم الجنيه ‏السوداني رغم أن البنك المركزي السوداني قد خفض قيمته بشكل حاد مرتين. وهنا نتذكر أن البنك ‏المركزي السوداني قد أصدر قراراً، بحظر التعامل مع المصارف الإيرانية، التزاماً بالحظر الاقتصادي، ‏مما يعني إغلاق سبيل كان بالإمكان الاستفادة منه بوديعة إيرانية تعدل الأوضاع الاقتصادية. ‏

* بالعجمي الفصيح: ‏

إن الفوضى تدرس ملامح المدن السودانية، جراء الأزمة الاقتصادية المسكوت عنها، والقول إن الخرطوم ‏اقتربت من طهران حين بلغ الهوس الديني أوجه عالمياً، قياس فاسد لا يستقيم مع منطق أن الاقتصاد ‏محرك للتوجهات الدولية. وتحقيق الاستقرار، ومعدل النمو السوداني ممكن بطعم «تمرة خلاص» خليجية، ‏فطعم «راحة الحلقوم» التركية لا يختلف كثيراً عن طعم مكعبات «سكر القند» الإيراني.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج