نعلم وبما لا يدع مجالاً للشك أن كل منقول شرعي سواء أكان قطعياً أو ظنياً، وسواء أكان مصدره رب العزة أم رسول البرية وبغض النظر عن مصادر التشريع الأخرى على اختلاف أنواعها ما شرعت إلا لمقصد شرعي علمه من علمه وجهله من جهله، وأن لها ما يبرر وجودها، فالاقتصاد عند الاقتصاديين يعرف بأنه دراسة سلوك الإنسان من جهة العلاقة بين الغايات المادية والموارد النادرة المتاحة لتحقيق هذه الغايات، فهو يدرس النشاط الإنساني في حيز استعمال الموارد المتاحة من أجل العمل على إشباع الرغبات والحاجات المادية التي يرغب بها الإنسان وظهرت نماذج عديدة لإدارة اقتصاد الدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية حتى الاقتصاد المختلط، وقد ظهر حديثاً مفهوم «الاقتصاد الإسلامي» على أنه العلم الذي يبحث في الجوانب المادية من سلوك الإنسان فردًا كان أو جزءًا من مجتمع على ضوء الحقيقة الموضوعية التي أتى بها الوحي، ومع اعتبار تام للعلاقات والسنن والقوانين التي أودعها الله في طباع الخلق والعلاقات الناشئة عن التعاملات المادية وتغيراتها، فالاقتصاد الإسلامي يقوم على مرتكزين أساسيين، هما فهم القوانين الاقتصادية التي صنعها الله ووضعها في مخلوقاته، والمرتكز الثاني هو العمل على تنفيذ الأوامر الإلهية. والاقتصاد الإسلامي والمقاصد الشرعية صنوان لا يفترقان، فمعرفة مقاصد الشريعة الإسلامية والقواعد الفقهية لها تعطينا الخطوط العريضة لوضع السياسات الاقتصادية لتحقيق العدالة ووضع الخطط التنموية والسياسات العامة للمالية العامة، ومن ثم معرفة الأولويات للمشاريع الاستراتيجية، فالاقتصاد الإسلامي يعد قريباً من الواقع، أيّ يهتم بطبيعة الحالة الاجتماعية والاقتصادية الخاصة في الأفراد، ولا يعتمد على أية تقديرات أو خيالات غير حقيقية، كما هو الحال في الأنظمة الاقتصادية الأخرى، ولا يهتمّ الاقتصاد الإسلامي بالأمور المالية والمادية فقط، بل يهتم بالجوانب الأخلاقية والروحية التي تساهم في تحقيق كافة الحاجات الخاصة بالناس، مثل العمل الذي يعتبر من ضروريات الحياة للحصول على السكن والتعليم والرعاية الصحية وغيرها. وتميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية في العالم بأنه النظام الوحيد الذي اشتمل على معظم أفكار الأنظمة الاقتصادية الإيجابية مع غربلة الرديء منها ونبذه، والإضافة إلى نظام الاقتصاد الإسلامي أفكار جديدة ومعتقدات نبيلة تؤكد على مفهوم الوسطية، فالنظام الاقتصادي الإسلامي هو نظامٌ أخلاقي بامتياز أكّد على جملةٍ من الأخلاق في تعامل الإنسان وتجارته وأعماله، فالتاجر المسلم لا يبيع أخاه، ولا يرابي، ولا يحتكر، ولا يرشي، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ويبتعد عن التغرير أو إيقاع الناس في الغبن، وهو تاجرٌ صادق أمين لا يغشّ في تجارته فسلوك الإنسان في العالم ونظام الحياة البشرية، فردياً وجماعياً، يجب أن يقوم على أساس العدالة، فمن ناحية، يجب على كل إنسانٍ أن يعرف بدقةٍ حقوق الله تعالى وحقوقه هو نفسه وحقوق الآخرين الذين قد يضطر للتعامل معهم بأية طريقة، كما يجب عليه الوفاء بهذه الحقوق بأمانة، ومن ناحيةٍ أخرى، ينبغي بناء نظام الحياة الجماعية على مبادئ من شأنها القضاء على كل أنواع الظلم في المجتمع، وحماية كل جانبٍ من جوانب الحضارة والحياة الاجتماعية ضد الغلوِّ والتطرُّف وإيجاد توازنٍ صحيح ومنصف في جميع مجالات الحياة، حتى يتسنى لجميع أفراد المجتمع الحصول على حقوقهم بشكلٍ عادل والوفاء بالتزاماتهم وواجباتهم بمسؤولية، فالاقتصاد الإسلامي فرع من فروع المعرفة الإسلامية، ولهذا فخصائصه التي تميزه لن تختلف عن خصائص الإسلام نفسه، إذ هو منتمٍ إلى الإسلام، والإسلام في علومه يصبغها بطبيعته وميزته وسماته، وهذا لا يمنع أن يكون للنظام الاقتصادي في الإسلام خصائصه الذاتية التي يستقل بها عن غيره، كما إن الخصائص التي يذكرها باحثو الاقتصاد الإسلامي كثرة وقلة، هي مجرد اجتهاد وفهم لمحاولة تمييز الاقتصاد الإسلامي عن غيره من الاقتصاديات الأخرى، إذ يحاول البعض أن يقرب الاقتصاد الإسلامي لأحد النظامين الاقتصاديين العالميين الرأسمالي أو الاشتراكي، وبعضهم يقول إن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد رأسمالي لأنه يقر الملكية ويبيح الغنى والبعض منهم يقول إنه اقتصاد اشتراكي لأنه يدعو إلى توزيع الثروات وعدم حصرها بأيدي الأغنياء، فبلا شك تفوّق النظام الاقتصادي الإسلامي على جميع الأنظمة التي وضعها البشر من رأسمالية أو اشتراكية بفضل الخصائص التي تميز بها، فالاقتصاد الإسلامي اقتصاد فريد في نوعه، عريق في تاريخه، أصيل في ذاته، مستقل في تعاليمه، فريد في حقيقته، نسيج في وحدته، لأنه اقتصاد يقوم على تشريع رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. اقتصاد يقوم على قواعد أساسية يرتكز عليها، العقيدة والأخلاق والثواب والعقاب والحلال والحرام. اقتصاد متفرد بخصائص لا يشترك معه فيها أي نظام من الأنظمة الاقتصادية المختلفة، فالاقتصاد الإسلامي ترك للسوق الحرية الكاملة للإنتاج والاستهلاك بدون تدخل من الدولة، وبهذا يكون حقق معايير السوق الحر التي تنادي بها الرأسمالية أما تحقيقه لمعايير الاشتراكية فهي تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال أخذ الزكاة والصدقات من الأغنياء وإعادة توزيعها على الفقراء.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية