جزء كبير من النظرة السلبية لمجلس 2014 يتحمله أداء النواب بشكل عام، إنما تتحمل الحكومة جزءاً لا يستهان به من النظرة السلبية للمجلس النيابي تحديداً وللسلطة التشريعية بشكل عام.

دعوني أتجاوز أداء النواب، فقد أوسعتموهم ضرباً بما فيه الكفاية، ولانتقل إلى الجزء المتعلق بالحكومة، وكيف ساهمت بخلق النظرة السلبية عن المجلس النيابي.

بدايةً، نعلم أنه من الطبيعي أن تناور الحكومات مع السلطات التشريعية، وتحاول أن تحصل على مكاسب تحسب لصالحها في قصص النجاح، بل ومن الطبيعي أن تحاول الحكومات كسب بعض النواب في صفها من خلال التحالفات، تلك أمور طبيعية جداً، وفي حدود المشروع سياسياً، ولست ممن يطالب الحكومة بأن تقف مكتوفة الأيدي دون أن تحاول تمرير أجندتها وقراراتها وتشريعاتها، ويعد ذلك من باب (تعاون) السلطات، فأين المشكلة؟

المشكلة أن الحكومة لا تكسب لها شعبية أبداً حين تملك أجندة لا تعرف كيف تسوقها، بل لا تحاول، وإن حاولت فمحاولاتها بعيدة كل البعد عن ملامسة لغة المجتمع البحريني. كانت النصوص الدعائية تكتب باللغة الإنجليزية ثم تترجم، حملاتها الإعلانية ضعيفة وباهتة وقليلة ومتأخرة، ولا تملك أدوات أخرى للتحالفات كالمجالس الشعبية والندوات وغيرها من وسائل التواصل المباشرة، وتأتي محاولاتها باستكتاب بعض كتاب الرأي ضعيفة لضيق الوقت، ولعدم وجود معلومات وشغل (الكلفتة) الذي تمارسه وتعتقد أنها نجحت فيه، وغالباً ما يكون مكشوفاً ويأتي بنتائج عكسية.

وحين تجد نفسها محصورة في الوقت، وعاجزة عن إقناع الناس بجدوى سياستها، ترمي الكرة في ملعب السلطة التشريعية مهددة إياهم بأن الوقت ليس في صالحنا، وبأن عدم موافقتهم ستضر البحرين!!!!!!

تلك السياسة العقيمة تكررت أكثر من مرة وفي قرارات مصيرية وضعت الحكومة فيها السلطة التشريعية بين نارين، لم يكن الوقت كافياً للشرح والإيضاح من جهة، والخوف على الوضع العام كان مسيطراً عليهم نتيجة الضغط الحكومي من جهة أخرى.

كانت الحكومة تجلس مع النواب، وتعدهم بقرار يتم التفاهم حوله، ومن ثم يفاجؤون بعكسه في اليوم الثاني، كانت الحكومة تتخذ قرارات منفردة في اليوم التالي على الجلسة حتى لا تعطي النواب فرصة لاستخدام أدواتهم واختصاصاتهم الرقابية، كل تلك الممارسات مؤشر على استهانة الحكومة بالمجلس وبمن يمثله.

تكررت مثل هذه المواقف خاصة في السنة الأخيرة، ولم تبالِ الحكومة بالضرر الذي لحق بالعلاقة بين المجتمع البحريني والسلطة التشريعية، ظنت الحكومة أنها في مأمن ما دامت قد رمت الكرة في ملعب السلطة التشريعية وجلست فرحة (بإنجازها) تتفرج على الناس وهم ينهشون لحم المجلس النيابي وكأنها لا شأن لها بما يحدث.

لا تعتقد الحكومة أنها بريئة من الصورة السلبية المجحفة في مثل هذه المواقف في حق السلطة التشريعية.

مما اضطر التدخل الملكي أكثر من مرة لحسم الأمر، إما بتأجيله أو بالأمر بتشكيل لجنة تنسيقية مشتركة، وهذا ما كان يجب أن تفعله الحكومة منذ البداية حين ترى أن هناك قرارات تمس حياة الناس ضرورية قبلها بفترة كافية، وذلك لإيجاد الحلول والمخارج والبدائل إن أمكن، وكافية لتهيئة الرأي العام، وكافية أيضاً لتوليد القناعات وكسب الأصدقاء.

ليس نصراً ولا شجاعة، ولا حكمة في الاختباء وراء الحائط والتزام الصمت، والنجاة من الضرب الموجع الذي طال السلطة التشريعية، فهذه النظرة ستطال الجدوى من المشروع الإصلاحي برمته.

نتمنى أن نكون قد تعلمنا من تلك المواقف وأن لا نراها تتكرر في هذا الدور الانعقادي، وثقتنا في حكمة سمو رئيس الوزراء كما هي الثقة الملكية في سموه وفي حكمة النائب الأول سمو ولي العهد أن تبنى علاقة جديدة مع السلطة التشريعية يكون فيها التعاون بين السلطتين قادراً على امتصاص الصدمات وقادرا على حفظ التوازن بينهما.

ملاحظة:

ليس هذا دفاعاً عن أداء النواب الضعيف، وسنتحدث عن مواقع الضعف في مقال آخر، إنما لتسليط الضوء على بقية العوامل التي ساهمت في النظرة السلبية للسلطة التشريعية.