البحرين وعلى رغم محدودية مساحتها الجغرافية إلا أن مكانتها كبيرة وتاريخها يزخر بالعطاء والإنجازات، وعطاؤها لا يقتصر داخل حدودها فقط بل يمتد لدول الجوار، فلا يختصر تاريخ البحرين في تجارة اللؤلؤ فقط، أو أنها أول دولة خليجية يكتشف فيها النفط، بل يتجاوز ذلك بريادتها الحضارية والتعليمية.

وسجل التاريخ أن بداية التعليم النظامي في المنطقة انطلق من البحرين عام 1919، ولم تكتفِ البحرين بتعليم أبنائها فقط، بل فسحت مجال التعلم لأبناء دول الجوار سوى المقيمين منهم في البحرين بحكم عمل ذويهم أو التلاميذ والطلاب الذين يقصدونها للتعلم والدراسة، كما انطلق أبناء البحرين المتعلمين إلى دول الخليج المجاورة ليشاركوا ويسهموا في النهضة التعليمية في هذه الدول.

وبين يدي كتاب للمربي القدير الأستاذ جاسم بن علي الكعبي بعنوان «بعثات البحرين التعليمية في أبوظبي والإمارات الشمالية»، الصادر في أواخر العام الحالي 2018 - يرصد فيه دور البحرين والبحرينيين في النهضة التعليمية في دولة الإمارات العربية المتحدة مع بداية نشأة التعليم في أبوظبي والعين في بداية الستينات من القرن الماضي، قائلاً «جئنا إلى الإمارات كبعثة تعليمية من بداية الستينات مع البدايات الأولى للتطور، وعاصرنا مرحلة إنشاء المدارس وإنشاء الطرق والمباني الضخمة، واستمرت البعثة التعليمية البحرينية هناك إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي،..... وكنا كبعثة تعليمية نقيم في كل عام المعارض والاحتفالات في مدارس البنين والبنات، والتي كان يشرفها بالحضور سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عليه رحمة الله».

ويقول مؤلف الكتاب وهو أحد رواد الحركة الكشفية في البحرين، إن البعثة التعليمية البحرينية أسهمت في تقوية وانتشار العمل الكشفي في الدولة الناشئة، كما كان لها الدور البارز في محو أمية الكبار، حيث كان أعضاء البعثة من المدرسين يقومون في الفترة المسائية بالمشاركة في تعليم الكبار.

كما كانت البعثة محل موضع تقدير من المسؤولين والأهالي مما جعل أعضاء البعثة لا يشعرون بالغربة في وطنهم الإمارات. يقول سعادة عبدالرضا الخوري، سفير الإمارات السابق في البحرين، «لقد ظلت البحرين على امتداد العصور، ولاتزال تشع بالعلم والأدب والمعرفة والثقافة، ولقد نهلنا نحن جيل الرواد في الإمارات العربية من هذا المنبع، ونفخر ونقدر عالياً الدور الريادي الذي لعبه المدرسون البحرينيون في انطلاقة وتطور مسيرة التعليم وإعداد وبناء الإنسان الإماراتي خلال فترة الستينات والسبعينات في المشاركة الفعالة في عملية النهضة الشاملة التي شهدتها الدولة الناشئة في كافة المجالات».

من ناحيته، يذكر الدكتور حسين عبدالله بدر السادة -وهو أحد أعضاء البعثة التعليمية في تلك الفترة- أن تلك النخبة من المعلمين حرصوا على أداء أدوارهم التربوية التعليمية بكل أمانة وإخلاص، واستحقوا بكل فخر أن يكونوا سفراء الخير لبلدهم البحرين، وعكسوا الصورة الناصعة المشرفة لهم ولوطنهم.

وقد بلغ عدد طلاب المدارس في تلك الحقبة في أبوظبي ما يزيد على العشرة آلاف طالب، ومثلهم في مدينة العين، والذين كان من ضمنهم مجموعة من أبناء الواحات والقرى التابعة لسلطنة عمان.

كتاب «بعثات البحرين التعليمية.......» يرصد أسماء المعلمين البحرينيين الذين درسوا بمدارس أبوظبي وبمدارس الإمارات الشمالية، وما أثار انتباهي أنه كان هناك معلمات من البحرين درسن كذلك في مدارس البنات، فالمرأة البحرينية من يومها مشاركة للرجل في البناء والتربية والتعليم.

كما يستعرض الكتاب السير الذاتية للكثير من أفراد البعثة وأذكر منهم على سبيل المثال الأساتذة: إبراهيم مبارك الحمر، أحمد إبراهيم مندي – الذي قام بتكريمه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد تقديراً لدوره التعليمي – أمير قاسم المزعل، خليفة البن جاسم «رحمه الله»، سعد الحوطي، عقيل الدرازي، عبدالله محمد بوشقر، عيسى أحمد الجودر، إبراهيم محمد أمين، أحمد بوعلاي..... وغيرهم كثر. كما يحوي الكتاب مجموعة من صور أعضاء البعثة التعليمية وأنشطتهم. كما عدد المؤلف 20 من المدرسات اللواتي شاركن في العملية التعليمية في الإمارات اذكر منهن الأستاذات: أمينة النجدي، بيبي سليمان، جميلة المسقطي، رقية الشيباني، ليلى جبارة، ومنيرة الصباح.

الكتاب يضاف لمكتبة البحرين التاريخية، كقيمة بحثية ومرجعية للباحثين في تاريخ البحرين لانفراده وتميزه في موضوعه، فبارك الله في جهد مؤلفه الأستاذ جاسم بن علي الكعبي، ومتعه الله بالصحة والعافية.

* عضو جمعية الصحفيين البحرينية