أبوظبي – صبري محمود

أكد أستاذ العلاقات الدولية البحريني، والمتخصص بالشأن الآسيوي والتاريخ الاجتماعي، د. عبدالله المدني، أن "النخب الخليجية لعبت دوراً مهماً في مسيرة النهضة التي تشهدها دول الخليج العربي"، مشيراً إلى "ضرورة تسليط الضوء على مسيرة النخب العلمية والمهنية في الخليج العربي، وأنشطتها الاجتماعية والثقافية، وما واجهتها من صعاب ومعوقات في طريقها نحو الارتقاء بنفسها، وتنمية مجتمعاتها، وتنوير مواطنيها، وتوطيد دعائم دولها".

وأوضح في المحاضرة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بعنوان، "نخب الخليج العربي ودورها في نهضة المنطقة"، وحضرها لفيف من الكتاب والباحثين والمفكرين والصحفيين، في قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمقر المركز في أبوظبي، أن "غياب الكتابة العلمية المستفيضة عن نخب الخليج تسبب في قصور معرفي لدى الأجيال الجديدة".



وسلط د. المدني الضوء على الدور الذي لعبته، وما زالت تلعبه، نخب الخليج العربي في نهضة المنطقة في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن "النخب الخليجية لم تسلط عليها الأضواء بالقدر الكافي، فظلت أسماؤها وأعمالها وإسهاماتها خافية على الأشقاء خارج المنطقة، وهو ما رسخ المفهوم السائد في العالم العربي، من أن الخليج العربي ليس سوى حقول نفط وصحارٍ، وقبائل بدوية، وقطعان من الإبل، كما شكل غياب الكتابة العلمية المستفيضة عن نخب الخليج العربي وأدوارها في بناء الدولة المدنية الحديثة، ونشاطها في عوالم المال والأعمال منذ عقود ما قبل اكتشاف النفط، سبباً في ظهور قصور معرفي لدى الأجيال الخليجية الجديدة، في الوقت الذي ظلت فيه المقررات المدرسية تتجنب الإشارة إلى مثل هذه الموضوعات، بالمقارنة بالنخب في العديد من الدول العربية التي يعرفها الجميع".

وأكد د. المدني أن "النخب الخليجية لعبت دوراً في مسيرة النهضة التي تشهدها دول الخليج العربي، وتوزَّع نجاحها بين مجالات وفئات عدة، كالتكنوقراطيين الذين ارتقوا سلالم العلم والتخصصات الأكاديمية العليا، ثم انتظموا في سلك العمل الحكومي، والساسة الذين انخرطوا في العمل السياسي والمجتمعي من أجل استقلال بلدانهم وسيادتها، وأولئك الذين مارسوا النشاطات الاقتصادية المتنوعة، فغدوا أسماء مرموقة في دنيا الأعمال، إضافة إلى الذين استثمروا عقولهم ومواهبهم في ميادين الثقافة والإبداع والتنوير للارتقاء بالذوق الفني، من خلال المسرح والسينما والتلفزيون والموسيقى، إضافة إلى أولئك الذين قادتهم خطواتهم إلى أرقى الجامعات الأجنبية للتخصص في الميادين العلمية الدقيقة الكفيلة بحل مشكلات البشرية".

وأوضح أن "تسليط الضوء على مسيرة النخب العلمية والمهنية في الخليج العربي، وأنشطتها الاجتماعية والثقافية، وما واجهتها من صعاب ومعوِّقات في طريقها نحو الارتقاء بنفسها، وتنمية مجتمعاتها، وتنوير مواطنيها، وتوطيد دعائم دولها، أمر في غاية الأهمية، لأنه يقدم إلى الأجيال الشابة الصاعدة حقيقة ما كانت عليه أحوال آبائهم وأجدادهم، وما كابدوه من شظف العيش، وقسوة الحياة، وقلة الحيلة، وكيف أنهم بالرغم من كل هذا شقوا طريقهم، وحفروا أسماءهم في الصخر، وهذا أمر في غاية الأهمية، كي يقتدي الجيل الجديد من الشباب بهؤلاء النخب، ويسير على نهجهم".

وأشار المحاضر إلى أن "أهم ما يميز النخب في الخليج العربي قديماً أمران، أولهما هو انفتاحها على الآخر، واستعدادها للتماهي مع كل جديد وعصري، وذلك خلافاً لما أورده بعض المستشرقين الأجانب في كتاباتهم حول وجود صدود وحذر من هذه النخب لجهة استقبالها وتعاملها مع الظواهر العصرية، أو لجهة تماهيها مع المجتمعات الجديدة التي انتقلت إليها من أجل الرزق أو العلم أو كليهما، وثانيهما سعيها الدؤوب، وحرصها الشديد على فهم الأشياء ومعرفة كنهها في أسرع وقت".

وخلص المحاضر إلى أنه "إذا ما أردنا دليلاً آخر على قدرة الإنسان الخليجي، في عصر ما بعد اكتشاف النفط، على الارتقاء بنفسه إلى مصاف النخب فهو سرعة اندماجه وتماهيه مع النقلة الحضارية التي أحدثها قدوم شركات النفط الأجنبية إلى المنطقة وتأسيس الأخيرة لما يمكن تسميته مدن النفط الحديثة بمظاهرها ومنشآتها العصرية وثقافتها الغربية وأنماط معيشتها المتمدنة وفرصها التجارية المربحة، وسرعة الاندماج هذه هي التي أهلت الكثيرين من أبناء المنطقة للصعود إلى رأس الهرم الاقتصادي أو للذهاب إلى أوروبا والولايات المتحدة، للالتحاق بأرقى الجامعات هناك والعودة منها بأعلى الدرجات الجامعية".

وفي ختام الفعالية كرم د. جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، د. عبدالله المدني الذي وجه الشكر للمركز لدعوته إلى إلقاء المحاضرة، مثمِّناً الدور الذي يقوم به في إثراء الحياة الثقافية عبر إسهاماته الفكرية المتميزة.