دائماً ما أقول عندما أشعر أن هناك من ينظر إلى مكاسب الآخرين بعين تحمل شيئاً من الدهشة: «عليك قبل أن تغبطه، وقد يصل الأمر بك إلى أن تحسده حتى، أن تتأمل كيف سارت حياته وكيف كانت، وما الذي فقده وخسره وأخذ منه حتى عوضه الله بهذا الشيء الجميل والثمين جداً؟».

هناك «برودكاست» جميل تحت عنوان «إلى كل أحلامنا المتأخرة»، يشرح معاناة سيدنا يوسف بطريقة سردية تحمل الكثير من الحكم والمواعظ منها: عندما كان يوسف في السجن.. كان يوسف الأحسن بشهادتهم «إنا نراك من المحسنين»، لكن الله أخرجهم قبله وظل هو رغم كل مميزاته بعدهم في السجن بضع سنين.. الأول خرج ليصبح خادماً والثاني خرج ليقتل، ويوسف انتظر كثيراً لكنه خرج ليصبح عزيز مصر.. ليلاقي والده الذي حرم منه ظلماً وليفرح حد الاكتفاء! لذا يقال دائماً ما يبقى إعلان المركز الأول لآخر الحفل، وإذا سبقك من هم معك فاعرف أن ما ستحصل عليه أكبر مما تتصور. فإلى كل أحلامنا المتأخرة.. تزيني أكثر فإن لك فأل يوسف!

قد تكون حروبك الشرسة والعنيفة والقاتلة والتي تشعر أنها فوق طاقتك ونالت منك الكثير، تهيئة الله لك لدروب أجمل مستقبلية قادمة بشكل أكبر مما تمنيت وسعيت.. قد تكون خساراتك المتتالية ومحاولاتك لأكثر من مرة، خسارات تقودك إلى دروب الانتصار في الأخير، ومن ينتصر في الأخير يربح الكثير!

قد تكون خسارتك أمام العالم كله عرضة لشماتة البعض فيك والاستهزاء بقدراتك والتشكيك بالكثير فيك ومن كل النواحي، في محاولة للانتقاص منك وكسب الفرصة لإحباطك وكسرك وإيلامك. قد تخوض يوماً معتركات قاسية جداً وليس أي شخص بإمكانه خوضها وتحملها.. الله يلقيك في تلك الدروب لأنه يريد أن ينور بصيرتك ولأنه يريد أن يمنحك فرصة اكتشاف من هم حولك.. ستصدم ببعضهم بطريقة لا تتخيلها.. ستلمح الكثير من الأقنعة وهي تتساقط أمامك وتتخلى عنك، وقد تندم على كل لحظاتك التي كنت فيها مغفلاً معهم ولا تلمح سوءهم المتضخم هذا.. قد تكتشف متأخراً أن الخنجر المغروس في ظهرك ليس من منافسيك بل من أقربهم إليك!!

في هذه الحالة عندما أشرح السيناريو الذي حصل، أنا لا أتكلم عن شخص رئيس مجلس النواب فوزية زينل، ولا أتكلم عن المجال النيابي فقط بل عن تدابير الكون للناس، فبغض النظر عن هذا المعترك ككل، أسخر هذا الموقف الذي نراه اليوم ماثلاً أمامنا في هذه الحكمة الربانية والتدابير الكونية.. فوزية زينل لو تأملنا ما حدث لها بطريقة روحانية إيمانية لوجدنا أن هذه المرأة، «بغض النظر عن كونها فوزية أو غيرها»، صارعت في 2006 ما لا طاقة لبعض نساء البحرين به وقتها، من شائعات وحروب نفسية مدمرة في دائرة لها أيديولوجيتها الفكرية المحافظة، وإن خفت حدتها، إلا أنها استمرت وأعادت ترشحها لثلاث مرات متتالية، حتى وصل الأمر إلى تخريب صورها وتكسير إعلاناتها!

في 2006 حين كانت تجربتنا الانتخابية حديثة جداً، وحين كان المجتمع يرفض المرأة المرشحة ويرفض تقبل فكرة عمل المرأة النائب بشكل قاطع جداً ويحاربها بطريقة تحمل شيئاً من الشدة والوحشية وعدم الرحمة في بعض المناطق، حيث في تلك السنين، كان المجتمع لا يعرف موجة مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يألف صور النساء كمرشحات بهذا الشكل الظاهر في شوارعه والمواقع الإلكترونية!

مجتمع وقتها لم يوصل المرأة لأي مقعد سوى مقعد واحد في المجلس النيابي وبالتزكية «لطيفة القعود أول نائبة خليجية».

ما أود إيصاله بعيداً عن المعترك النيابي حكمة ما حصل.. بعض الأحلام يبعدها الله عنك اليوم ليمنحك الله إياها في الغد بشكل أجمل.. أحلى.. أكثر مما تصورت وتمنيت وطمحت!

زينل تمنت أن تكون في عام 2006 عضواً بمجلس النواب فقط، ولا أعتقد أنه خطر ببالها في تلك السنين أن الله يهيئها أمام تلك الحروب الشرسة والطاحنة والتي بعض جوانبها لم تتعرض لها مرشحات بدوائر انتخابية أخرى، ومعاركها التي لا تنتهي مع عقليات لا ترحم المرأة، فأجل الله حلمها أعواماً متتالية وانتخابات متتالية في 2006 و2014، لتصبح أول بحرينية تترأس السلطة التشريعية في 2018، وأول خليجية تترأس مجلساً منتخباً من الشعب في الخليج العربي كله!

* إحساس عابر:

- عضوة مجلس بلدي المحرق «سابقاً» صباح الدوسري من أوائل النساء اللواتي تمكن من نيل مقعد في المجالس البلدية المنتخبة في دائرة تسمى بالدائرة الحديدية لصعوبتها وميلها نحو الاتجاهات السياسية، وقد كانت امرأة حديدية فعلاً، كما هو مسمى دائرتها. فصباح خلال موسم الأمطار كانت تخرج فجراً لتفقد منازل المواطنين الذين يتصلون بها، وكانت تحضر لهم مع شاحنات شفط مياه الأمطار، وتظل متعلقة بشاحنة شفط المياه «كما يتعلق عمال النظافة بالشاحنات» عن طريق حبل يمد لها من الأعلى!! صباح، بعد خروجها من «البلدي» حرصت على التعاون مع أعضاء المجلس الجديد بتزويدهم من خبرتها وتجاربها.. نتمنى ألا تركن تجربتها المتراكمة إنما يستفاد منها كونها تعتبر قدوة حسنة للنساء في هذا المجال على المستوى الخليجي.