إن الاحتفالات بعيد الجلوس والعيد الوطني تعني تجديد البيعة لملك نال الإجماع الشعبي ولقائد التف حوله أهل البحرين حباً ودعماً وثقة ووفاء.. ولزعيم نال احترام العالم لأنه احترم العالم وقوانينه ومبادئه وشرعيته الدولية وتواصل معه وانفتح عليه وشاركه أفراحه وأتراحه، فباتت البحرين رقماً أساسياً في معادلة دعم السلام والحوار الحضاري والديني والثقافي على المستوى العالمي، وارتبطت البحرين بعلاقات وشراكة مصيرية مع الدول الكبري في المنطقة والعالم لإقرار السلام الإقليمي، ولذا قدره قادة العالم وشعوبه وشهدوا بمواقفه وأفعاله النبيلة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

فعلى المستوى المحلي، شعر القائد بهموم شعبه والمواطنين البسطاء، لذلك كانت أوامره الملكية سباقة، فأمر جلالته بمكرمة ملكية في الإسكان وأخرى في التعليم ودعم صحة المواطن واليتيم والأرملة وأسر الشهداء وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تمس حياة الشعب البحريني، فصارت أوامر جلالته الملكية قوانين ثابتة راسخة لصالح كل فئات المجتمع، ومفعلاً للمبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة من حقوق للإنسان، في المأكل والمشرب والتعليم والإسكان وغيرها.

كما تبنى جلالة الملك مشروعاً إصلاحياً غير مسبوق لنهضة البحرين وتحضرها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً، وهذا ما جعل جلالته يقف في مصاف زعماء العالم الذين سجل التاريخ أفعالهم لبناء نهضة حضارية في دولهم ونقلوا بلدانهم إلى مصاف الدول المتقدمة.. هذه الإصلاحات هي التي قفزت بالبحرين لمصاف الممالك الدستورية التي تعمل وفقاً لسياسات دولة المؤسسات وسيادة القانون وتطبيق المبادئ السياسية والفكر السياسي الحاكم للدول الديمقراطية من حرية صحافة وانتخابات نيابية وبلدية نزيهة يتساوى فيها الجميع حيث يستطيع أن يفوز فيها كل من يختاره الناخبون بما يتيح لممثلي الشعب الإسهام الحقيقي في عملية صنع القرارات ووضع القوانين والسياسات تطبيقاً لمبدأ الشراكة الشعبية في عملية صنع القرارات، والتي كان من ثمراتها الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة التي أشرف عليها القضاء بشكل كامل وراقبتها منظمات المجتمع المدني في كل مراحلها، ولذا شهد العالم بنزاهتها وأقبل عليها الشعب البحريني بكل طوائفه وتفاعلوا معها بنسبة غير مسبوقة في المنطقة وهي 67% في المرحلة الأولى و70% في الإعادة، في وقت لم تزد في دول أخرى عن 30%، وهذا يعبر عن إيمان وقناعات شعبية بثمرات المشروع الإصلاحي والتفاعل الإيجابي معه.

وما من دولة في العالم إلا وتمر في تاريخها بتحديات ومنحنيات سياسية، وهذا ما تعرضت له البحرين، إلا أن حكمة القائد وحكومته الموقرة كانت دائماً الحامية والواقية للبحرين من الآثار الجانبية لهذه التحديات، فكانت سباقة بوضع الحلول، ففي 2011 كان الأمر الملكي السامي لجلالة الملك بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق بموجب المرسوم الملكي رقم 28 لعام 2011، برئاسة واحد من أبرز فقهاء القانون الدولي المرحوم البروفيسور محمود شريف بسيوني المشهود له بالخبرة والنزاهة والمهنية الدولية وعضوية أربعة من كبار فقهاء القانون الدولي ممن عملوا في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومؤسسة «فريدم هاوس» في واشنطن. وكذلك حين تأثرت المملكة بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة كان أمر جلالته الملكي بتشكيل لجنة لدراسة دعم المواطنين وتعويضهم بسبب ارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن بعض السلع، وكذلك حين رفعت المدارس الخاصة رسومها التعليمية وامتعض أولياء أمور التلاميذ من ذلك، تدخل جلالته بأمره الملكي السامي بوقف القرار وتعويض الوزارة لأصحاب المدارس بوسائل أخرى. وهذه أمثلة لمواقف كثيرة لجلالته كلها تصب في صالح انحياز القائد للمواطنين البسطاء وشعوره بمشاكلهم واهتمامه بإدخال السعادة لقلوبهم.

وإقليمياً، فقد سعى القائد للتواجد في كل قضايا المنطقة دعماً للعدالة وإعادة الحقوق لأصحابها، لذلك كانت البحرين من أوائل الدول التي أعلنت مشاركتها مع قوات «درع الجزيرة» التي حاربت صدام حسين في إطار التحالف الدولي لاستعادة الكويت من براثنه حين غزاها في عمل إجرامي غير مسبوق عام 1990 إلى أن خرج المعتدون وعادت الكويت شامخة أبية لأهلها كقلعة عالية تستكمل دورها السياسي والاقتصادي في خدمة أشقائها.

وحين انقلب المتمردون الحوثيون على السلطة الشرعية في اليمن من أجل الاستيلاء على الحكم، كانت البحرين حاضرة في الصفوف الأولى لقوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية عبر «عملية عاصفة الحزم» التي ضمت 10 دول ومكتسبة للشرعية الدولية بالقرار «2216» الصادر من مجلس الأمن في 14 أبريل 2015 لإنقاذ اليمن من الفوضى وإعادة السلطة الشرعية، بل وإعادة اليمن لليمنيين يديرونه لمصلحتهم الوطنية لا لمصلحة إيران التي سعت لفرض نفوذها عبر وكيلهم الحوثي، وحين ثبت دعم قطر للإرهاب، وجعلت من أراضيها مأوى لكثير من جماعات الإسلام السياسي، الأمر الذي أضر بالأمن الإقليمي والعربي واستقراره، كان الانضمام للرباعي العربي والتوقيع على قرارات المقاطعة حتى يعود الأمن مرفرفاً على المنطقة.

أما على المستوى الدولي، فكان اهتمام القائد بالإنسان أياً كان لونه أو دينه أو مكان إقامته، فجعل أكبر جائزة بحرينية وهي جائزة المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان مخصصة لخدمة الإنسانية، حيث ذهبت مرة لفقراء أفريقيا، وأخرى لمحتاجي قرى الهند، وثالثة للأطفال مرضى السرطان في مصر. كما أصبح جلالته رمزاً للسلام العالمي عبر دعمه للحوار الحضاري والديني والمذهبي والثقافي بين دول العالم بما يقرب الإنسان من أخيه الإنسان بغض النظر عن اختلافات الجغرافيا الطبيعية والبشرية، وبما يزيل عوامل الخلاف والفرقة والتناحر بين بني البشر ويوقف محركات الحروب ومشعلات الفتن بينهم، وهذا ما جعل البحرين قبلة للمؤتمرات الدولية الخاصة بحوار الحضارات والأديان والمذاهب والشؤون السياسية والاستراتيجية عبر حوار المنامة وإنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي لترسيخ نهج الاعتدال ونبذ التعصب وتعزيز ثقافة الحوار ودعم مسيرة العيش الإنساني والسِّلْم العالمي..

كذلك فقد أرسى جلالة الملك أسساً سياسية خارجية تقوم على علاقة الاحترام المتبادل والتعاون وحسن الجوار مع كل الدول في المنطقة، واحترام خصوصية كل دولة وعدم التدخل في شؤونها، والتأكيد على حق الجميع في العيش في أمن وسلام عبر السعي لنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة.

إن هذه السياسة التي تبناها جلالة الملك والتي تقوم على فكر إصلاحي مستنير في الداخل وعلى رؤية سياسية حكيمة في التعامل مع المحيطين الإقليمي والدولي، جعلت أهل البحرين يلتفون حوله ويثقون في سياساته ويجددون له العهد والبيعة، وجعلت العالم يقدر هذه السياسات ويبارك بيعة شعبه له ويقدم التهاني والتبريكات لجلالته وللحكومة الموقرة في يوم عرس البحرين بعيدها الوطني وعيد جلوس جلالة الملك صاحب الإصلاحات والجهود والمواقف التي خدمت الإنسانية ودعمت السلام والاستقرار العالمي.

* أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال - جامعة البحرين