حين تواصلت مع المحلل الاستراتيجي توني كوردسمان Anthony H. Cordesman‏ أول مرة -حينها كنت طالب دكتوراه ‏‏2002- لم يكن سخياً معي. وأما المرة الثانية ففي مؤتمر مؤسّسة الفكر العربي «فكر 16» في دبي ‏أبريل 2018، فرغم تناوله الغداء على طاولتي إلا أنه كان متحفظاً أيضاً. وفي ‏الدورة الخامسة لمنتدى دراسات الخليج بالدوحة 2 ديسمبر 2018، استفزني ‏حين قال في كلمته ألا تعاون ولا قدرات ملموسة بين دول الخليج. فكانت ‏مداخلتي أن تحليلاته تقوم على إحصائيات ينقلها من كمبيوتره ويتحاشى ‏الوصول لنتائج تكشف إن من لم يشم دخان الحرب يوماً لا يمكن أن ‏يستشرف مستقبل الصراعات المسلحة. بل إن السيد كوردسمان نفسه لم يدخل ‏معسكراً خليجياً واحداً ليعلم إن كنا نتعاون أو لا! ورحت أعدد له مجالات التعاون ‏العسكرية المنشورة في موقع مجلس التعاون. وبعد أن أخرجت ما «يقرقع ‏بخاطري» وجدت الرجل العجوز يسأل عني الزميلة العزيزة هدى الدخيل فقد نسي غداء العام الماضي. وفي ‏اليومين التاليين تناولنا الوجبات الثلاث معاً في حوارات عميقة عن الاستراتيجية ‏والبدو وحياته في شيكاغو وأقربائه الفلاحين. لكن ‏توني العجوز الطيب في 2 ديسمبر 2018 عاد وفياً للقيم الرأسمالية التي يعتنقها بالتسويق للحرب كمنتج وبضاعة من ‏خلال تخويفنا بحرب قادمة مع إيران، معتمداً على ما حصل عليه من إحصائيات ‏بالأسلحة من معهد ستوكهولم للسلام «SIPRI»، ومن مجلة جينز «JANES»، دون إشارة من قريب ‏أو بعيد لمعلومات استخبارية يمكن أن يكون قد حصل عليها عن تمرينات إنزال أو مناورات انفتاح عن بعد من إيران أو من دول الخليج. بل راح في مقاله في صفحة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «csis» المعنون «الخليجيين وإيران، شراء الأسلحة، التحديث، وتحول ميزان القوى».

‏ ‏The Arab Gulf States and Iran: Military Spending, Modernization, and the Shifting Military Balance

راح يستعرض سباق التسلح وتوازن القوى العسكرية في منطقة ‏الخليج مذكّراً بأنها باتت قضية عسكرية خطيرة في الشرق الأوسط. وإن المخاطر الناجمة عن سباق التسلح في الإقليم لم تتراجع مع مرور الزمن، بل ارتفعت بحدة جملة من ‏العناصر الخاصة بالسباق في السنوات الأخيرة، محذراً من اندلاع اشتباكات ‏عسكرية في المدى القريب استناداً لقواعد الصراع مع إيران التي يتمدد ‏نفوذها في الخليج والعراق وسوريا، وفي الحرب اليمنية، وخلص بالقول إن الرد الإيراني على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتنامي ‏معدلات التوتر بين دول الخليج، والنتيجة غير المحسومة في الحرب ضد ‏«داعش» والحرب الأهلية في سوريا كلها عوامل تسهم باطراد في تدهور ‏المناخ الأمني لمستويات مقلقة وتقود إلى الحرب.

* بالعجمي الفصيح:‏

في تسويق رأسمالي فج للحروب تربط مراكز الأبحاث الاستراتيجية الغربية التسلح بقيام الصراعات، متجاوزة أن جيوش مجلس التعاون تمر بمراحل بناء، ثم تطوير، ثم تحديث، وأن ‏الأسلحة تشترى لخلق التوازن الاستراتيجي، كما تشترى للردع، وليس بالضرورة لدخول الحروب.‏

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج